كثيرون سمعوا بالعقيد
المتقاعد محمد الزياني مؤخراً بسبب أطروحاته في "تويتر" ولكن معرفتي به
تمتد لسنوات خلت. اسمه " الذي كنا نخاله آنذاك وهمياً" كان يتواتر كمعلق
على مقالاتي في صحيفة الوقت، ثم التقيته شخصياً خلال استضافة مجالس المحرق ولم تكن
مواقفه – وقتها – تختلف كلياً عن مواقفه اليوم : فهو يتحدث بنفس ناقد للفساد
والتمييز والطائفية والهيمنة على مقدرات الشعب ولكنه لا يتخطى سقف " القيادة"
لا سراً ولا جهراً لذا وقع خبر القبض كصدمةً على الجميع ..
كثيرون استهجنوا بشدة
استهدافه وسلب حريته – وطبعاً- هناك تلك الجماعة المتحفزة للتخطئة والتسفيه ممن انتقدت
الاهتمام به بذريعة ان مواقفه متأرجحة لا تشبهنا تماماً ما يجرنا لحديث ثقيل يجبُ
أن يُعلن :
البوفلاسة والزياني وجناحي
والتميمي والشافعي وغيرهم من الوطنيين السنة الذين لم ينساقوا لموجة الاستعداء
والتخوين التي طغت على طرح الموالين ليسوا بحالات استثنائية كما تظنون .. السنة في
البحرين – وأخص منهم أهل المحرق- لديهم روح معارضة تضرب جذورها للخمسينات من القرن
الماضي ولكنهم أسرى حاجز " نفسي وعقائدي " يجعلهم يقفون عند خط القيادة الذين
يمثلون لبعضهم " ولاة الأمر " وللبعض الآخر " رمزاً أبوياً "
تجوز معارضته ومناكفته ومخالفته ولا يجوز التعدي عليه وتسقيطه وإلا لكنت من العاقين
الجاحدين ..
إبان فترة الاعتصام بالدوار ،
رأيت محمد الزياني يجوب بهدوء حذّر بين الجموع يتفحص وكأنه يبحث عن أجوبة تشاكس ما
يرسخه الإعلام الرسمي عن الدوار وأهله ، ولم يكن الوحيد ، واقعاً – وعلى مدار
الاسابيع الاولى – كنت أميز عدداً من الأشقاء السنة في الدوار ولكن عددهم بدأ يتناقص
شيئا فشيئا – لا رفضاً لفكرة الاحتجاج والمطالبة بإصلاح ما هو معّوج – بل لأن
بعضهم نفّر من الإساءة للملك أو رئيس الوزراء بطريقة مهينه .
مجدداً نؤكد: هم يقبلون –
تماماً- نقدهم وإن كان شرساً ولكنهم لا يقبلون بالحطّ من قدرهم وعلينا أن لا نُنظّر
كثيراً في مشروعية سلوكهم ببساطة لأن الشارع الشيعي في البحرين يعيش ذات الحالة مع
رموزه الدينية فهو يتقبل – بنسبة معينة - نقد العلماء ولكنهم خط أحمر لا يقبل
العوام الانتقاص أو النيل منهم وهو ما كتبت فيه تفصيلا في مارس 2011 عندما قلت
" ما لا تقبلونه على رموزكم لا تقبلوه على رموز الآخر " ولكن الماء غلب
على الطحين كالعادة !
*****
في عودة لموضوع الزياني أقول
: كسلفي ومنتمى للمجتمع الموالي ، عقيد سابق وأب وأخ وجار لعسكريين أقسموا الولاء
للملك ، كان لدى الزياني سقفٌ لم يتجاوزه في الطرح ولكنه – بكل التعريفات
والتصنيفات- خرج عن ملة الموالين .. تعاطفه ودعمه للمعارضين وتفنيده لمواقف الموالين
كانت كافية لتكشف عن أن هذا الكهل - رغم سنة وموقعه وموروثاته - متمرد على النظام "
وإن لم يكن معادياً لقياداته" وأسوء ما يمكن فعله الآن ، أسوء ما يمكن فعله
حرفياً ، هو مهاجمته بسبب تصريحات لا تنسجم معنا وكأننا نقول له ولمن "
يُفكر" في حذو حذوه : لا مكان لك في معسكرنا تماما وقد خسرت مكانك في المعسكر
الآخر !!
أننا بحاجة للالتحام مع
الجناح الآخر من الوطن لنحلق بمطالبنا .. في صفوف أولئك الموالين فئة مغبونة –
مثلكم تماماً – تجرعت الظلم والتمييز واقتاتت على الحلم والأماني لتمنع نفسها من الانهيار
ولكنهم بين رحى بيئة موالية تؤزهم أزاً وتنبذ من يشبّ منهم على الطوق وسلطةٌ تعتبر سيئتهم " بعشر أمثالها "
كما ويفصلهم عن المعارضة برزخ لغتها الهجينة على اسماعهم .
باعتدال خطابنا نكسب تلك
الفئات المترددة التي تتوق للتغيير الإيجابي وتبحث عن يد تمتد لها وآخر ما يجب أن
نريه لهم شخص تحدى نفسه ومجتمعه وجازف بدعم المعارضة " ولو بحرف" فتبرت
منه المعارضة وتركته وحيداً عندما سقط في براثن من لا يرحم..
الزياني شخصية وطنية يشرفني دعمها ، لا لما سلف
من القول فحسب ، بل لأنه شخص نزيه تقدمي ترك طريق الموالاة المعبد خوفاً من الله
وبغضا في الظلم. ولي علم بآخرين – نتحفظ على أسمائهم نزولا عند رغبتهم- من مجالس
المحرق نطقوا خلف ابواب المجالس المغلقة فنالهم عقاب أليم.. وعلينا أن نبحث عن
مساحة مشتركة معهم فما يجمعنا – صدقاً – أكثر مما يفرقنا ..
*****
هناك تعليقان (2):
مقال جميل وراقي في مضمونه .. وعميق في دلالاته
. سلم يراعك وسدد الله خطاك .. وألف الله بين قلوب أبناء وذننا جميعا في مقوابل الظلم والظالمين.
إرسال تعليق