الأربعاء، أبريل 4

أسوء تجارب حياتي (4-4) وأشرقت شمسي ..



ذكريات أسوء تجارب حياتي  (4-4)
وأشرقت شمسي ..


(1) 

الإنسان مخلوق عجيب، قادر على التعايش مع كل وأي شيء، لو سألت من حولك: ماذا سيحل بك لو أصبت بالعجز والشلل التام ؟ لو رحلت أمك ؟ لو سُجنت؟ لو فقدت عينيك أو ثروتك أو أبناءك ؟ سيجيبك تلقائيا " بموت " ولكن التجربة تفاجئهم .. فالبشر قادرون على التعايش مع كل مصاب بعد تجاوز عنصر الصدمة.
 أسابيع مرت على اعتقال شقيقتي .. وأستخدم تعبير " مرت" بخّفة فالأيام لم تكن تمر علينا كعائلة بل تخترقنا.. تحدث ثقبا في الروح والقلب..
شعرت بالاستياء لأن قريبتي قررت عقد قرانها وأختي مازالت مغيبة في معتقل الطغيان ، بل وملكت ما يكفي من الجرأة لتدعونا الى حفلها (!!!) ولكني..عدت والتمست لها العذر : لقد توقفت حياتنا وليس علينا أن نفترض أن حياة الآخرين ستتوقف وإن كانوا أقربائنا ..

(2)
12- أبريل-2011

فتحت عيني على لولوة وهي تهزني وتقول: اليوم عيد ميلاد أمي .. ألن تأتوا بكعكة ؟!
قمت مفزوعة وكأني استيقظت على صفعه..!
لماذا تذكرت لولوة.. ولماذا ذكرتنا !!
أتينا بالكعكة وزارتنا مساءً صديقة ندى وزوجها وهم اشقاء عرب ليحتفلوا معنا.. دخلت تحمل هدية مغلفة بعناية لندى ووضعناها في ركن لتنتظر عودتها مثلنا جميعاً.. بلع كل منا غصته من أجل الفتيات وأطفئنا الشمع في غياب صاحبة العيد ، كانت لحظات قاسية وأسوء ما في حزنها أنك تضطر للتظاهر بالفرح ، يا ترى كيف مر عليك اليوم يا شقيقتي ؟ سألت وأنا اشعر أن " قريني الجديد" اثقل من اي وقت مضى..
في الآونة الأخيرة بدأت أشعر أن الحزن كيان منفصل يمشي معي – كقرين.. يمتطي ظهري وأنا واقفة " كذاك العجوز المرعب في سندباد" ويجثم على صدري عندما أنام " لا اعرف لماذا تخطر لي أفكار كهذه ثم تتوطن" ولكني بدأت أرى الحزن –عملياً- كظل يمشي معي

***

(3)

صبيحة 14 أبريل خرجت علينا وزيرة الخزعبلات والشئون التمثيلية بمؤتمر صحفي تدعي فيه أنهم وجدوا أسلحة ورشاشات في مستشفى السلمانية (!!!) ولا أعرف كيف واتت السلطة – والناطقين باسمها – وقاحة الترويج لكذبة مارقة كهذه.. " رشاشات مرة وحدة " قلت وأنا أمشط شعر عالية قبل ذهابها للمدرسة.. وحدهم العسكريون والشيوخ في هذه البلد من يملكون الأسلحة ، ولسنا في دولة مفتوحة الحدود لتهرب أسلحة لنا براً.. فالبحر يحاصرنا والمنفذ الأوحد هو جسر تسيطر عليه أشرس قوى أمنية لا تستطيع بوجودها أن تهرب جهاز لاسلكي ناهيك عن مسدس ناري..!!

من الهزلي جداً والوقح جداً أن تلصق السلطة تهم حيازة أسلحة للمعارضة ومن دعمها.. ( لو كان لدينا أسلحة لسقط في صفوف الامن قتلى وجرحى بسببها ، لأطلقت طلقة يتيمة من فوهتها ولو دفاعاً عن النفس ) قلت هاتفيا لزميل من "قوم فرعون" يُخفي إيمانه " ولكن كذبتهم تلك – على ميوعتها- ستجد من يتبناها ويروجها من العوام " عقب معلقاً ومعه حق.. فالجماهير " تملك خصائص النساء" كما كان يقول هتلر.. تتبلد عقولها إن خاطبت عواطفها ونزعاتها الشريرة وهذا هو ما فعلته السلطة في البحرين مع مواليها الذين صاروا يرددون رواياتها الغريبة بلا نقد ولا تفنيد لمجرد أنها تدين من يعتبرونهم خصوماً..
فمن السهل أن تصطف مع القوي ، وتجد مبررات لتبرر تخاذلك .. الصعب هو ان تصطف مع الضعيف العاجز عن حماية نفسه ناهيك عن حمايتك..
****
(4)
5- مايو-2011

" زوجة خالد ولدت.. لا تقولين ما بتزورينها " قالت أختي ليما مستبقةً واقع أني أبارح المنزل " أنه شقيقنا وهو طفله البكر علينا أن نظهر بعض الحفاوة " لم أعقب واكتفيت بمباركة باهته لأمي وأخي الذي بدت فرحته عقيمة .. خالد مقرب جداً من ندى - ولطالما كان - لذا شّق عليه هو الآخر أن يستقبل وليده بغيابها ولكن المعجزه حصلت وأفرج عن ندى.. في الليلة ذاتها.

****

كانت اشاعات الافراج عن دفعة من الاطباء تتعاقب ولكنا لم نكن نصدقها بعدما تواتر علينا من كذب..علمتما الايام ان نرفق بأمانينا فلا نرفعها لتهوى على أسفلت الواقع وتهشم ما تبقى من صبرنا المتآكل..
ولكننا تلقينا في الثامنة مساء مكالمة تقول : استلموا ندى ..

بعد محاكمة صورية اجراها بعض الضباط " المستظرفين " لها إذ نقلوها لمبنى آخر واجلسوها وقالوا لها ان هذه محاكمة عسكرية وكللوا التمثيلية السمجة ببعض الاسئلة ثم اصدروا لها حكما بالمؤبد قبل أن يخبروها أنها ستخرج " أي نوعيات مجنونة بالمناسبة تلك التي تستعين بها الداخلية" !!! تم إطلاق سراحها بالفعل وتوجهت فوراً لمنزل والدي ووالدتي- اللذان فرغ فؤادهما من الحزن عليها- أما أنا فانتظرتها في بيتها ولم أيقظ الفتيات، كان علي أن أراها أولاً.. لأصدق.

جلست انتظر قرب النافذة.. ذات النافذة ذاتها التي كنت أطل منها كل ليلة انتظر اعتقالي او عودتها ..
 احتضنتها لما وصلت للمرة الأولى.. كانت هزيلة جداً وباهته اللون ولكنها كانت تشع عزيمة.. لم أبكي وكانت انفعالاتي باردة بشكل لافت ، كان شعوري اشبه بشعور نائم استيقظ من كابوس طويل ..

****

ليلتها لم تنم ندى.. كان عليها ان تألف – مجددا- الفراش الوفير وتنسى ليالي الرعب التي كانوا يستيقظون في منتصفها على الصراخ والركل فجراً لا لسبب إلا لإشباع رغبة اجرامية عند ضابط مخمور قرر أن يخيف كل من بالمعتقل .. القصص التي روتها كانت تثير القهر والغيظ ، تعكس حقداً طبقيا واجتماعيا من هذه النخبة ..

(5)

في اليوم التالي جمعت اغراضي لأعود لمنزلي أخيراً .. قبل ذهابي قصدتني عالية بزهو ومدت لي ديناراً وقالت:
" كنت طيبة جداً معنا وتعتنين بنا جيداً وقررت أن أكافئك بدينار " كانت مبادرة طريفة فاحتضنتها وعلقت: سأشتري به المرفأ المالي إذن فضحكت دون أن تفهمني ! تماماً كما ولن يفهم أحد يوماً كيف اشترى رئيس الوزراء المرفأ المالي - وقيمته مليارات- بدينار واحد ومازال يجد من يدافع عن بقاءه رغم ذلك !

****

" الحمد لك ألف مرة–  رددت أمي على مسامع الجميع - استعدت ابنتاي في يوم واحد.. ندى عادت لبناتها فيما ستعود لميس / صديقتي لحضني " كانت فرحه امي بعودتي للمنزل كبيرة فقد افتقدت وجودي ولكنها كانت تجهل انها عودة لن تطول .. وسيعقبها فراق اطول من سابقه.

****


ذهبنا بعدها لنزور المولود الجديد ، وجه الخير الذي رزق به اخي خالد ، أحب تسميته بـ" رضا " فاعترضنا فألتف على رفضنا مانحاً الكلمة الفصل لندى فباركت الاسم فلم يكن لنا جميعا.. إلا الصمت !
خرجت من مستشفى ابن النفيس يومها وملأت رئتي بالهواء وفجأة شعرت بخفه في ظهري.. الحزن الذي اتخذته قرينا.. تلاشى.

وعاد لي مخزون الفرح الذي لطالما وجدته في نفسي..
يومها لو سألتموني اين ذهب القلق.. اين ذهب الألم.. أين ذهب الغضب..فلن اجد جواباً.. لقد تبخر !
لقد اخبرتكم ان الإنسان كائن عجيب يستطيع ان يتعايش مع كل شيء وسأخبركم – أيضا - انه كائن متقلب.. كل الحزن قد ينقلب فرحاً في لحظه .. والهزيمة قد تنقلب لانتصار .. والألم قد يستحيل نشوى.. كل ما يحتاجه المرء منا هو لحظة واحدة ..

إلتفاته ربانية واحدة.. تغير حياته..
مولود جديد جاء وحبيبة قديمة عادت.. كرم رباني فاض علي عائلة ضيف في ذلك اليوم مسح آلام ليالً وأيام من الأسى.. لقد اجتزنا الامتحان، وعبرنا بين غيوم المحنة وخرجنا بإيمان أكبر بأنفسنا وبقضيتنا وبنبالة مبادئنا ..
شاركتكم في هذه الحلقات ملامح من تجربتي .. ولا قول لي في نافلتها إلا: رب كما فرجت همنا وأعدت لنا أسيرتنا نسألك ان تفرج هم كل منكوب ومظلوم ، وتفك أسر كل سجين وتعيد كل غائب لأهله رب أمسح هموم قلوب المقهورين في وطني وأجزل لهم العطاء على مصابهم ،،
النصر للشرفاء والمناضلين .. والعار على المتخاذلين والظالمين

هناك تعليق واحد:

سراب الليل يقول...

سؤال حيوني هل كان قرينك يتحول الى غزال؟!!!��
لا لا أمزح وياش.
من فوائد الثورة أنها أظهرت أبطلاً لم نكن لنسمع عنهم أبداً.
أنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي أرى فيه هذه القصة فلمً على قناة البحرين.
وشكراً

صادق