الجمعة، مارس 2

حديث المصارحة الثالث :أحلام اليقظة




(10)
هناك من يتمنى أن يرى اليوم الذي يجمع فيه آل خليفة حقائبهم ويلملموا حاجياتهم ويسافروا بلا عودة ، لا في طيارة خاصة بل في طيران تجاري، ولا في الدرجة الأولى بل على السياحية، وذلك.. لن يحصل أبدا !
وهناك في السلطة من يتمنى أن يفرك عينية ذات صباح فيفاجأ بأن المعارضة في البحرين قد اختفت - تبخروا بشكل ما ولم يبق منهم باقية، لتظل البلاد خالصة لوجههم ومواليهم الذين يسبحون بحمد السلطة وثناءها وذلك.. لن يحصل أبداً !
هناك طائفيون يريدون أن يُوضع أتباع المذهب الآخر في الدرك الأسفل من المجتمع.. ويحرمون من كل الوظائف والبعثات ويجردون من كل المناصب والمواقع على أن تذهب لهم كغنائم.. وذلك لن يحصل أبدا..
والحالمون على هذه الشاكلة كُثر..
هناك من المجنسين من يتمنى أن ينسى الناس من هم أهل البحرين الأصليون.. ولا تُؤرخ المراجع تاريخنا وحضاراتنا الممتدة لآلاف السنين بل يبدأ تاريخنا الوطني منذ عقود عندما بدأ التجنيس السياسي الذي توطنوا بمعيته فننسى من نحن.. ومن هم..
وهناك في المقابل من يتمنى أن لا يبقى في هذه البلد مرتزق واحد ولا مجنس واحد.. بحيثُ تُسحب جنسيات كل المجنسين - الموالين حصرا- فيختفون من وجه البحرين جذرياً..
من الانتهازيين من يحلم أن تستمر القطيعة بين المعارضة ومؤسسة الحكم للأبد، ليستغلوا تلك الفجوة في اقتناص ما يمكن اقتناصه من مكاسب من غير استحقاق. وهناك من الفاشلين من يتمنى أن تتجرد الكفاءات من قيمتها وتبقى الأولوية لذوي الولاءات ليظل هو في كرسي لا يستحقه وموقع "يخّب" عليه..
وهناك من يتمنى أن تتفق المعارضة على قلب واحد وصوت واحد ورؤية واحدة، ولا يكون بينهم متطرف ولا متراخً ولا دخيل ولا عميل ولا " مشدخ".. فتكون فئة المعارضة – كلها- صفوة من المفكرين والعقلاء والشجعان والحكماء..
وهناك من يتمنى أن تظل نافورة الفساد مضاءة بهجة للناظرين.. وضرع الحكومة مدراراً للمسترزقين.. وان يكون كل الإعلاميين متمسكين بتلابيب السلطة.. وهناك من يتمنى أن يعود الحال كما كان عليه قبل 14 فبراير..وكل تلك أحلام.. أوهام.. تخيلات..نُوصي بها بين الساعة الثانية للخامسة فجرا..لا قبل ذلك ولا بعده..!!
*****

(11)
هناك حقائق يجب تقبلها - لم نخترها- وعلينا التعايش معها كبحرينيين.. أولها أن البحرين بلد تعددي لن يُلغي احد فيه الآخر، ولن تُختزل طائفة لأخرى.. لن يزول الشيعة، ولن يختفي السنة..ولن يتوحد الاثنان على فكر واحد بل إن أتباع المذهب الواحد.. لن يتوحدوا على منطق واحد..! كما أن آل خليفة، ليسو صدام وابنيه؛ ولا القذافي وأبناءه؛ ولا مبارك وابنيه ولا زين العابدين وزوجته وصهره. إنهم عائلة ممتدة، جزء من نسيج البلاد حكموها لأكثر من قرنين وهم آلاف من المواطنين تربطهم وشائج نسب ومصاهرة بعائلات أخرى تتفرع عنهم أو تمتد لهم..
كما أن المعارضين، وأهل البحرين الأصليين، ليسوا بضعه آلاف رغم كل المحاولات لتغيير بنية البلاد، أنهم المكون الأكبر عدديا بين الشعب، كما أنهم يملكون ثقلاً تجارياً وعلمياً ونخبوياً يجعل معاداة السلطة لهم محرقة – لها- قبل أن تكون لهم..
تلك حقائق يجب تقبلها والمناورة معها، وأي حل سياسي لا ينطلق من حياضها لن يؤدي للاستقرار بل قد ينقل الصراع من مربع لآخر..
****

(12)
إننا نعيش حالة نكران.. ننكر المعادلة القائمة لذا يخرج كل طرف بتنظيرات غير رصينة.. "الانتصار بالوهم" هو عنوان ما نعيش..الملك يقول بعدم وجود معارضة له (!!!) والناس تصرخ" يسقط حمد" !
في بلد تفرض طبيعتها الداخلية وموقعها الإقليمي الحديث عن الإصلاح وتغيير بنية الحكم لا الرحيل والتغيير الشامل هناك من يقول " أرحلوا" استنساخاً لتجارب أخرى لا تشبهنا !
داخلياً: ليست لدينا أحزاب ولا نضج سياسي كافً ومع ذلك هناك من يُطالب بهدم بنية الحكم وبناء هيكل جديد وكأننا – وحدنا – من يعيش على هذه الأرض وكأن البديل ، المقبول من كل فئات الشعب، موجود ينتظر أن يشغر المقعد !! يحدث هذا في بلد لم نملك فيه ما يكفي من الاستقلالية والحرية الفكرية لاختيار نواب " صالحين" عوضاً عن نواب يمثلون الطوائف والجماعات !
****

(13)
قلتها وأقولها مراراً..لم نخرج شرا ولا بطرا..ولم يسقط شهدائنا ويُشرد ويُعتقل ويُفصل الآلاف نكاية في أشخاص، وحربنا أسّمى من أن تكون تصفية حسابات.. نحن نصارع من اجل تعديل الاعوجاج وإصلاح بنية الدولة بحيث لا يضطر أبناؤنا وأحفادنا للعيش في ظل المعادلات القميئة التي نعيشها اليوم..
لا نريد للأجيال القادمة أن يشهدوا هدم مساجد تعلموا فيها الصلاة والاعتداء على منازلهم في الثالثة فجرا.
لا نريد أن يفصل احد من عمله بسبب وشاية أو لأن أحدهم وضع دائرة على صورته..!
لا نريد أن تتقاسم عائلات المناصب وتتوارثها.. ويختل ميزان العمل لأن المحسوبية تمحق الكفاءة !
لا نريد ان يمر أحدهم على أرض فيقرر أن يتملكها .. فيتملكها..
لا نريد أن ينتظر احدهم بيت إسكان 25 سنة فيأتي احدهم ويحصل عليها في 4 سنوات !
نريد البعثات أن تذهب حسب الأحقية لا وفق محاصصةً مذهبية تدوس الأحلام الفتية.
لا نريد أن يُسجن أحدهم 5 سنوات ويُحكم آخر- على الجريمة ذاتها- بـ15 عام !
لا نريد أن يتحقق أحدهم من مذهبك وأصلك وعرقك في كل مرة تذهب فيها للتقدم لوظيفة
ربما يرى البعض أن ما ذكر أعلاه موجه ضدهم ،واعتذر، ولكن ما نطالب به هو العدالة والنظام الذي سيجعل هذه البلاد في المكانة التي تستحقها..
*****

(14)
نحن بحاجة للواقعية والاتزان.. لا طلبات تعجيزية تُطيل أمد الصراع ولا حلول ترقيعية تهدأ الوضع مع الإبقاء على أسباب الأزمة لتنفجر من جديد..
أطالبكم هنا بترشيد الحلم والتوقعات.. لنصل لنتيجة تُرضي "أغلب" الأطراف إن لم نقل جميعها..
نحتاج لوسطاء ولتجسير وجهات النظر المتباعدة.. نحتاج لبناء نظام دستوري ملكي توافقي في مناخ غير متشنّج. لا أحد يستطيع اختزال الآخر – ولو تمنى- أو الاستفراد بالسلطة – ولو تمنى- أو إعادة البلاد لما كانت عليه – ولو تمنى-
ربما أكون من ضمن قوافل الحالمين ولكني احلم بوطن يشغله البناء لا الصراع.. لا تطغى فيه الأكثرية ولا تُضام الأقلية ويأمن فيه كل طرف - كل طرف- على نفسه وماله وعرضه ومستقبله..
والله من وراء القصد..

نشر بتاريخ مارس 2, 2012

ليست هناك تعليقات: