السبت، مارس 15

القصة التي - لا تودون- بل تحتاجون لسماعها..
ولدا في ذات الحقبة..
وقتلا في الحقبة ذاتها ..
حملا على ظهرهما ذات القضية..
أحدهما كان متطرفا داعيا للعنف..
والآخر داعيا للتسامح والتعايش..
هذه قصة مالكوم أكس ، ومارتن لوثر كينج التي أنصحكم بقراءتها.. بعين واقعكم.
****

تفتق وعي مالكوم أكس على الدنيا وقد قتل العنصريون البيض والده ، وأعدم عمه دون محاكمه ، وبعد ثمان سنوات تحملت فيهن أمه الشابة- عبأ ستة أبناء بلا دخل يُذكر انهارت ، وأودعت مستشفى المجانين فتناثر مالكوم وأخوته على دور الرعاية الاجتماعية حيث عاش حتى أرتكب جريمته الأولى.. وأودع السجن..
أقول هذا ابتداءً لأن مالكوم لم يكن شريرا كما ستوحي الأحداث اللاحقة.. بقدر ما كان ضحية لم يتحرر يوما من ألم السياط..

في السجن تعرف مالكوم على الإسلام ، أسلم وسمى الإسلام دين السود، وانفتحت شهيته على القراءة فكان يقرأ 15 ساعة يوميا ليخرج بعد ثمان سنوات بثقافة قائد وروح محارب، انضوى تحت جناح الحركة الإسلامية أولا وصار من قادتها ثم أنشي منظمة الوحدة الأفريقية ..
تحول مالكوم أكس – سريعا - لأيقونة: بمطالباته بسيادة السود واصما البيض " بالشياطين" وألهب مشاعر الجماهير بخطبه التي تدعو للقطيعة التامة مع البيض ومحاربة سطوتهم "بكل الوسائل" وعدم الثقة بهم أو الركون – حتى- لمن يدعي منهم الطيبة والتسامح.
 مذكرا الناس على الدوام بجرائم الرجل الأبيض في حقهم..
                                      ******
في الحقبة ذاتها ؛ تعرف المجتمع الأسود على مارتن لوثر كينج ، الذي نادي هو الآخر بحقوق السود ولكن بعيدا عن العنف والتصادم.. فهذا القس الذي نشيء لأسرة محافظة لم يكن راضيا عن دعوة مالكوم وجماعته لأخذ الحق بالقوة.. بل كان يدعو للتعايش مع البيض والمساواة بهم وكان ما يفتأ يردد قول المسيح " أحب أعداءك واطلب الرحمة لمن يلعنونك "..
****
تفاعل اليافعون مع دعوات مالكوم ، فـ 400 عاما من الاستعباد كفيلةٌ بتفجير الكراهية فيهم ، لكن مقاربة مارتن لوثر كينج جذبت له مختلف الأعراق. ورغم أن مالكوم أكس كان متفوقا على كينج في الخطابة بكلماته الارتجالية التي تندفع كالحمم إلا أن كينج - الذي كان يكتب خطبه مسبقا ويقرأها من ورقة – أسر الضمائر برصانة فكره وقوة منطقه الإنساني.
****
عندما رفضت روزا باركس أخلاء كرسيها في الباص لأبيض واندلعت المواجهات بين الشرطة والسود كان مارتن لوثر كينج من ملك الشجاعة للقبض على جمر العنف داعيا الجماهير للمقاومة السلمية ومقاطعة شركات النقل حتى تراكمت خسائرها واضطرت للتراجع بعد عامين .
" أنا إنسان" هذا هو الشعار الذي كان يهتف به مناصرو كينج.. ولكن وسطيته لم تشفع له عند السلطة التي اعتقلته وزجت به في الحبس الانفرادي حيث كتب أهم الوثائق السياسية ليومنا هذا " وثيقة المقاومة باللاعنف"..
ولم يكن كينج هدفا للسلطة التي صادرت حريته فحسب ؛ وأشاعت بأنه عميل للشيوعية وزير نساء، بل كان هدفا لمالكوم أكس وتياره كذلك الذين كانوا يحتقرون لوثر وأتباعه ويتهمونهم بالمهادنة والضعف والاستسلام وخيانة حقوق أسلافهم..
" منهج د.كنج غير واقعي ، مشكوك فيه ، ولن يصل – حتما- للهدف " هكذا هاجم مالكوم أكس نظيره في لقاء تلفزيوني.
****

مالكوم ومارتن في اللقاء الوحيد الذي جمع بينهما لدقيقة في مؤتمر للسود

العنف أو اللاعنف..
الانتقام من " الأعداء" أم كسبهم كأصدقاء..
التصادم أم التسامح ..
كان هذا هو جوهر الخلاف بين مناضلين عتيدين ..
كان لوثر يطمح لمجتمع تتساوى فيه حقوق البيض والسود ..
أما مالكوم فكان يطالب بالاستقلالية والسيادة للمجتمع الأسود ..
ورغم الطريق الوعر ، أستطاع مارتن لوثر كينج التوصل لاتفاق مع النظام على برنامج لإلغاء العنصرية وإقامة نظام عادل على أربعة مراحل .. ولكن المغالين حاولوا نسف الاتفاق بتفجير منازل قادة المعارضة الإفريقية  لتندلع المواجهات بين السود والشرطة من جديد ، وأُشعلت النيران في المتاجر وأجبر الرئيس جون كنيدي على إعلان حالة الطوارئ وكاد عمل ونضال 10 سنوات يضيع هباء لولا أن دشن كينج جولة على المدن الأمريكية لتهدئة الغضب وأحتواء الموقف ..
****
في 1963 وقف مارتن لوثر كينج مع 250 ألف شخص  - ثلثهم بيض- ليخطب خطبته الأسطورية
 " I have a dream " التي قال فيها:
لديّ حلم أنه في يوم سيكون أبناء العبيد و أبناء ملاك العبيد السابقين قادرين على الجلوس معا على مائدة إخاء.. لديّ حلم أنّ أطفالي الأربعة سوف يعيشون في يوم في دولة لن تعاملهم بلون جلدهم.."
في تلك السنة ، صدر قانون حقوق التصويت الانتخابي الفيدرالي. وقانون تجريم العنصرية ، وسرعان ما قُتل مالكوم أكس – واقفا- على يد الجماعة الإسلامية التي أنشق منها ، وقتل مارتن لوثر كينج أيضا على يد متطرف ، وتأرجحت قضية السود بين مد وجزر حتى جاء اليوم الذي تحقق فيه أقصى أحلام كينج وشهدت أمريكا أول رئيس أسود لها ..
*****
هناك من لازال يقول أن التيار العنيف الذي قاده مالكوم أكس كان سببا في تراجع السلطة وتفاوضها مع مارتن لوثر كينج ، وهناك من لازال يصف مالكوم " بالعنصري – تماما- كخصومه" ويلومه على تعثر المصالحة وإطالة أمد الصراع والمعاناة .. لكن الحقيقة تبقى أن نضال لوثر كان نموذجا لمن أطال التسامح كعبه .
وأوصله لهدف رآه الجميع.. بعيدا
كنت أعد العدة لكتابة الكثير تعليقا على تجربتهما الخصبة ، لكني في المقابل اعتنيت بتقديم المعلومات لأترك لكل منكم فسحة ليسقط هذه التجربة الثرية علينا
.. وما اتخمها بالعبر

ليست هناك تعليقات: