الاثنين، فبراير 13

مقالات شهرزاد



شهرزاد ( 12) لعنه الأطباء..
نشر بتاريخ اكتوبر 9, 2011
 

لم يحدثْ في مدينة من مدن العالم.. أن تولى الجاهلُ على العالم..واستهدف الأطباء؛ لأنهم تصرفوا كأطباء واستهدف الصحفيين الذين لم يسجدوا للنظام مادحين.. ووزعت أموال المعتقلين كغنائم وراعي الرعية عن كل هذا نائم.. أتعرف يا ملك البلاد أن تاريخك سيخضب بالدموع والدماء لأنك راقبت بهدوء المشير و"الكبير" وهما ينتقمان من شعبك الفقير لأنه قال: نريدك أن تفي بما جاء بالميثاق فشددت عليه الوثاق وغداً تلتف الساق بالساق وإلى ربك تساق، وهناك لن ترى حولك مشير ولا وزير ولا من كنت تستخير، بل ستقف وخصمك الأمهات اللواتي لُفقت لأبنائهن التهمات لما نطق قضاتك الخراصون أحكاماً: بعشر وعشرون، فأعمار الناس عندهم لعبة والعدالة نهبة والأحكام يستهلها كلٌ من جيبه ، وما نرتجي ممن لا يخاف ربه إلا أن يستر بفبركة التهم عيبه !!
شهرزاد ستروي اليوم قصة الأطباء الذين ملكوا الأدلة لإدانة القوات الأمنية؛ وهي تهمة استحقوا عليها المنية !!
شهرزاد 
***

الأطباء.. الصوت الذي كان يجب أن يخرس..

بوحشية وجنون استهدف العسكر المتظاهرين تارة بنية قمع التظاهرات وأخرى بشهية الانتقام لترديدهم شعارات ضد المجنسين ( لاحظوا أن قوات الشغب أما مجنسون أو ينتظرون أوامر بتجنيسهم) ! على كلٍّ وجد الأطباء أنفسُهم – للمرة الأولى- أمام مئات الحالات التي تصرخ وتطلب العلاج..وكانت تلك بحد ذاتها محنة بالنسبة لطاقم الطوارئ الذي اعتاد على استقبال حالات التسمم والبرد ونوبات السكر والسيكلر، وكان استقبال ست مصابين بحادث سيارة -في وقت واحد- كفيل بإرباكهم فما بالكم بمئات المصابين دفعة واحدة !!
لن أنسى ما حييت صوت أختي وهو يتسلل متحشرجاً وسط دموعها وهي تردد بصوت وهن ( الدم في كل مكان الكل يصرخ..أشعر أنني في غزة !!) لم تكن الأسرة تستوعب الجرحى وكنا نمر على جرحى ملقون في الممرات ينتظرون فراغ سرير لاستقبالهم في وجود آخرين -بنصف وعييهم- على كراسي الإنتظار.. كان الجرحى يصلون على دفعات على أكتاف المتظاهرين الذين يصرخون بصوت يتقاوى على الحزن والخوف بالتكبير المتواصل.. إصابات في العين، كسور مختلفة ،جرحى بالرصاص وحروق بسبب تفجر القنابل الصوتية على الأجساد.. لم يستطع أحدٌ منع الأمهات الثكالى والزوجات والشقيقات من الانتشار في كل ركن من المستشفى.. كان منظر مسن يبكي أو أم تدعي وتحتسب مألوفا في كل زاوية من المشفى.. وكلما فتح باب شخصت الأبصار وهي تنتظر خبرا -مفرحاً أو مدمراً- بعد ساعات أصبح التمييز بين المصابين وأهلهم صعبه : الكل كان يبدو موجوعاً ومتألماً..
سرعان ما تملك الإحساس بالعجز والألم حتى الطاقم الطبي.. كثيرون منهم أخذوا ينتحبون كالأطفال: أسىً على الشباب أو خوفاً من الإخفاق في مساعدتهم.. كان الوضع هستيرياً.. كل شيء كان خارج السيطرة.
ولو أن أحداً قال للأطباء الذين واصلوا الليل بالنهار ليساعدوا الناس أنكم ستعذبون وتسجنون عوضاً عن أن تكرموا.. وأنكم ستتهمون بحيازة الأسلحة والاحتلال وستواجهون أحكاماً تفوق عقوبات تجار المخدرات؛ وسيعطونكم اعترافات وسيجبرونكم على قراءتها أمام العدسات؛ وسيشهر بكم وبعائلاتكم ليل نهار؛ لما صدقوا.. ولربما أطلقوا ضحكة مجاملة على هذه الفكرة المجنونة !
مارد الإنسانية.. يتغلب على تحفظ التكنوقراط
من المعروف عن التكنوقراط والتجار والمهنيين -حول العالم- تحفظهم السياسي.. قلما يكترثون للسياسة ونادراً ما يتبنون مواقف حادة ومن غير المحتمل أن يعبّروا عنها علناً.. الأطباء عالميا جماعات مستقرة مادياً وموقرة اجتماعياً..روح التحدي والمواجهة التي تملأ نفوس النقابيين والسياسيين والناشطين بعيدة عنهم..ولكن الظرف الذي وُضع فيه أطباء البحرين – ولم يختاروه- جعلهم يتمردون على تحفظهم ويفعلون ما لم نتوقعه منهم.. وقفوا بوجه السلطة ولم يحسبوا النتائج..
كانت وزارة الداخلية قد أمرت بعدم إرسال سيارات الإسعاف فيصر الطاقم الطبي على إسعافهم.. كان العسكر يقطعون الطريق لكي لا تصل سيارات الإسعاف فيراوغ المسعفون وينقلونهم.. قيل لهم لا تصرحوا بأعداد الجرحى فصرحوا للصحف المحلية والدولية.. أمرهم الوزير ورهطه أن يخفوا تقارير تشريح القتلى ففضحوا ولم يذعنوا.. أما الخطيئة الكبرى التي حوّلت الأطباء لألد أعداء القوى الأمنية فكانت رفضهم التستر على جريمة استخدام الرصاص الحي على المتظاهرين..
كانت القوى الأمنية – ولازالت بالمناسبة- تصر على أنها تستخدم الرصاص المطاطي فقط -وباعتدال- ولكن الأشعة التي سربها الأطباء تثبت استخدام الجيش للرصاص الحي في تفريق المتظاهرين !!

(خطر الاطباء.. ومكالمة المحرق)
كان الأطباء يعرفون أنهم يجازفون: بمناصبهم وترقياتهم –وبوظائفهم ربما- سيما عندما تملكهم الانفعال وخرجوا لدقائق يهتفون في باحة المستشفى.. كانت مجرد دقائق: ولكنها نفّست عن غضبهم وحزنهم.. دقائق: كانت كفيلة بتغيير مستقبلهم للأبد. دقائق: حولتهم لخطر حقيقي على النظام.. ولكن ذلك لم يبدو مهماً في تلك اللحظة التاريخية.. 
(اللحظة التاريخية في الماركسية: هي لحظة لا تتكرر.. تختزل الصراع وتناقضات الأحداث وتفرز الشخصيات لتنتج في النهاية.. تبلور الأحداث..)
****

ربما يشكك الناس في أقوال السياسيين والحزبيين ولكن كلمة الأطباء ذات موثوقية واعتمادية عالمية لذا كان يجب أن تدفن أصواتهم وتطعن في مصداقيتهم..بيد أن تحويل الأطباء لمجرمين ليس بالأمر الهين؛ وربما كان هذا هو أصعب تحدٍ واجهته الأجهزة الإستخبارتية والإعلامية وحتى تلك الأجهزة لا تزعم أنها نجحت في تمرير "فريتها الكبرى" إلا على فئة في الداخل.. ولتحقيق ذلك منع الأطباء من الظهور الإعلامي ومررت – بشكل ممنهج- مكالمات وحوارات تسيء لهم وحجب كل اتصال يرتجي تبيان الحقيقة.
( خارج النص: ذات ليلة فاجئني اتصال خمسينية غاضبة "اتصلت ببرنامج الراصد – قالت مخاطبةً إياي- وأخبرتهم أن لدي رسالة مهمة بخصوص السلمانية فأخذوا رقمي واحتفوا بي واتصل بي المعد مرتين ليتأكد بأني سأكون قرب الهاتف في العاشرة. وعندما بدأ البرنامج وضعني على الانتظار وخلالها أعطاني التعليمات " يمه قولي شكثر تعذبتي وطلعي كل اللي في خاطرج" قال لي المعد فأجبته " وليش أجذب؟ اتصلت لأقول للمرضى ألاّ يخافوا ويذهبوا للعلاج..أنا وشقيقتي مصابتان بالسرطان وبسبب ما نسمعه في التلفزيون خفنا ولم نذهب للعلاج لأسابيع، ولما اتصلت الممرضة مستفسرة عن سبب تخلفي عن جلسة الكيماوي فأخبرتها إننا سمعنا أن المستشفى محاصر ضحكت وشجعتني؛ فذهبت ولم نر شيئا واحداً مما تقولون ! الوضع من " أحسن ما يكون". فما كان من المعد إلا أن استسمح ووعدني بإعادة الاتصال ثم " سفهني" وحاولت على مدى أيام الحديث ولكنهم تهربوا مني " حرام يمه- قالت لي- هناك مرضى سيتضرّرون بسبب خوفهم، اكتبي على لساني وانشري إن شئتي حتى رقمي السكاني"..
بالطبع هذه السيدة الكريمة – وغيرها الكثير- منعوا من الحديث علناً لأن تجاربهم ستفسد المخطط العام المرسوم بعناية من قبل وزارتي الإعلام والداخلية لتجريم الأطباء..
من هم المستهدفون..؟
أتعرفون من هو د.على العكري الذي تواطأت وزارتا الصحة والإعلام على تشويه سمعته ،وتم القبض عليه وهو في غرفة العمليات ؟
هو الطبيب الذي توجه برفقه د.نبيل تمام لغزة ورفعا هناك اسم البحرين عالياً ولازال أطباء فلسطين يحلفون بهم.. جريمتهم ليستْ احتلال السلمانية -التهمة الأسخف عبر تاريخ القضاء " فكيف لـ20 طبيبا أن يحتلوا مستشفى به أكثر من خمسة آلاف موظف" كما قالت د.ندى ضيف.. بل أن جريمته أن مكانته الدولية كانت ستجعله شاهداً على كل ما ارتكب في حق المتظاهرين..
****

أتعرفون من هو د.غسان ضيف؟ هو استشاري استثنائي وتخصصه نادر -ليس أخي بالمناسبة كما يشاع وإن كنت أعدّه الآن كذلك رغم أني لم ألتقه شخصيا في حياتي- أتعرفون لماذا أنزله العسكر من الطائرة وعذبوه واختطفوا زوجته وروعوا أطفاله؟ كانت الأشعة التي ثبتت أن قوات الأمن استخدمت رصاصا حياً قد مسحت تماماً من كل حواسيب المستشفى في تجاوز صارخ لكل القوانين والأعراف الطبية فما كان من د.غسان إلا أن أعلن أنه كان يعلم أن الوزير وطاقمه المغوار سيخفون الحقائق لذلك احتفظ بنسخة من كل الأشعة والوثائق..!
لقد كان تفانيه في خدمة المرضى وتصريحاته التي – وإن تخللها بعض الشطط والمبالغة تحت وطأ الحالة النفسية- هي سبب اعتقاله وتعذيبه وقد تواردت أنباء تشير إلى أنه كان يزحف من الألم لمدة أسبوعين من فرط ما تعرض له من تعذيب في السجن وأكد من رأوه خلال المحاكمات بأنه بدا يومها أكبر من والده وهو الذي لم ينتصف به العقد الرابع بعد..
****

أتعرف يا شهريار لِم نُكّل بهؤلاء الأطباء الأحرار ؟
ليخرسوا..ولا ينطقوا بما رأوه..
وبالمناسبة ما هي أعداد جرحى المواجهات الأخيرة؟ وكم منهم إصاباته خطيرة ؟ أم كانت قوات الأمن ترمي المتظاهرين بالمكسرات وترشقهم.. بالقبلات !؟
كان هناك جرحى وأعدادهم غفيرة. ولكن بغياب أطباء يعالجونهم ويصرحون وبظلامتهم يجهرون" ضاعت الحسبة" وهذا هو كيدهم الذي كادوه ولكن فليكيدوا كيداً.. وسيكيد الله كيداً فأمهلهم... أمهلهم رويداً
وها قد أذن الصباح وآن لشهرزاد.. أن ترتاح ..
8- أكتوبر- 2011

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من شهرزاد الى ملك البلاد (11): تجمع الفزعة
نشر بتاريخ اكتوبر 1, 2011
 
أ سمعت بالأمر العجيب الذي جرى في بلاد الواق واق يا مولانا السعيد؟
يسرق اللص العتيد كيلومتر من لحم الأرض فلا يقال له "كع".. ويقف الأفاك ويطعن في الأعراض والأنام ولا يقال له "هص".. تمشي العاهرات في مأمن و يأكُلن الملبن لأن كفيلهن "..." ولا يقال لهن "بح".. ولكن فتاة إن هتفت من قهرها في مجمع ووسط تجمع، يجرها المرتزقة من عباءتها ويدوسون كرامتها، وعلى الأرض يفرشون جسدها وبالأصفاد يكتفون يدها وتشتم أمها وجدتها، وفي السجن تبات ليلتها وتأتي السجانة وتصفعها وفي التلفاز تعرض صورتها وتُلعن في الانترنت ملتها وعقيدتها.. في بلاد الواق واق يا مولاي تفـتّـل الشوارب وترقص العضلات للآنسات والسيدات، ويفعل بهن ما لا يفعل باللصوص والغانيات..!!
الحمد لله أننا في ذمتك يا مولاي لا يصيبنا لغوب ولا تسجن إلا اللعوب ولا يُضام عندك المغلوب !!
حكايتنا مازالت في بدايتها، فالبدايات أهم من التوالي.. لأن بها البذور التي تكبر بالتوالي..ولأنها تفرز أفعال الوعاظ عن الوالي..

****
بعد الدعوة للحوار.. خليفة الكبير يرتبك.. !

في تلك المرحلة استشعر خليفة الكبير الخوف من تسارع الأحداث وأقلقه الحوار بوصفه جسراً قد يساعد كلاً من المعارضة -وولي العهد- للتخلص منه أخيراً.. بالنسبة لخليفة الكبير منصب رئيس الوزراء ليس كرسيا اعتلاه لـ40 عاماً بل هو ملكه وحقه وحق أبناءه لذا أنطلق في رحله قصيرة لجهة غير معلنه " تكهنات دارت أنها السعودية لاستمطار الدعم والمؤازرة" عاد بعدها "بحركة" مفاجئة لا تشبهه ولا تشبه وقاره المعهود.. خرج لأهل الرفاع ليلاً ليوزع عليهم الورود والقبلات وكأنه يقول " فزعتكم يا الأيواد" !!
فتح مجلسه بعدها ليستقبل – أياً كان ومن كان- موظفين وصحفيين وطلبة وربات بيوت؛ أخذ يتودد لهم ويصور معهم ويستحث الصحف على نشر الصور ولسان حاله يقول "إن كنتم لا تريدونني: فغيركم متمسك بي" !!
ولأن تلك "الإجراءات" لم تبد كافية، سيما بوجود إصرار من المعارضة على إبداله بمباركة دولية على قرار كهذا، كان لابد من خطوة "أكثر حدة" تدعم وجوده وهنا ولد تجمع الوحدة الوطنية من رحم الصفحة 12 من تقرير البندر..واللافت في الأمر إنهم لم يغيروا المخطط العام لفكرة التجمع ولا شخوصه؛ بل استعانوا بنفس الشخصية التي أقترحها التقرير في 2007 : الشيخ عبد اللطيف المحمود ..
***


يقال ان الزوجة الماكرة الشاطرة هي تلك التي تستطيع أن تفعل ما تشاء وتقنع زوجها بأن الفكرة إنما فكرته وإرادته وأنه من يأمر وينهي.. وذاك هو في كثير أو قليل ما فعله تيار خليفة الكبير بالشارع السني.. فقد أقنعوا الشارع السني انه في خطر وأنهم – هم- من يريدون تشكيل تجمع الوحدة الوطنية الذي تم التسويق له بزخم وطلب من الوزارات والمحافظات أن توصي موظفيها بحضور التجمع الذي أسس لدافعين ظاهرين: أولهما ليكون صوتاً للسُنة الذين يؤمنون أنهم سيهمشون وسيخسرون وسيفرض عليهم ما لا يريدون لو نجحت المعارضة في تمرير اجندتها.. فالسُنة استشعروا القلق من تفجر الوضع وأرادوا التأكد من أن حقوقهم ومكاسبهم محفوظة.. أما الدافع الثاني فكان "الفزعة" للشيخ خليفة شخصيا، فهو بالنسبة لهم من أسس لأفضليتهم – كفصيل- على سواهم و"ما قصر" ولا يمكنهم أن يتنازلوا عنه الآن سيما وانه صمام الأمان بالنسبة لهم.. مشكلة التجمع بدأت في كونه أنساق – سريعاً- لدوره في "الفزعة" على حساب دوره الأول في دعم مكاسب جماهيره وذاك ما أضعف مكانته وحال بينه وبين الاعتراف به دولياً.
****

(( همسات خارج النص: ما يحدث الآن للمعارضة جزئيا دخل فيه بسبب تقصيرها، اذ لم يتم التنسيق مع القوى الوطنية الأخرى " الأصالة، المنبر، والقيادات السنية التقليدية" ربما لأن الانتخابات الأخيرة أثبتت أنهم لا يملكون الشارع السني ولا كلمة لهم عليه – ولكن- كان على المعارضة أن تتوقع أن السلطة ستستخدم الورقة الطائفية في ضرب الحركة المطلبية وتسارع لإشراك شخصيات قيادية سنية لقطع الطريق على عازفي الوتر المذهبي" سيما أن الإصطفاف مع الوفاق لم يكن جريمة قبل أبريل". ولا يقولن أحدكم "من؟" فأنا أستطيع الآن عدّ مالا يقل عن 10 شخصيات قيادية سنية كانت لتنضم للحركة حينها لو أعطيت الضمانات الكافية فكثير من الشخصيات السنية العريقة تملك نزعة معارضة " المفارقة أن الشيخ المحمود منهم فقد كان في السبعينات يطالب بمبدأ تداول السلطة الذي يقاومه الآن !!" ووجود تلاون مذهبي في قيادات المعارضة كان ليمتص قلق الشارع السني الذي بدأ يتكتل حول نفسه خوفاً من المجهول القادم. ولكن المعارضة ، بكل ما تملكه من زخم وجماهيرية، لم تفطن لهذا يومها وظنت أنها تستطيع – وحدها- إجبار مؤسسة الحكم العشائرية على القبول بتداول السلطة.!!))
****

تنافس ومزايدات .. وخرافة الـ 450 ألف..
تجمع الوحدة الوطنية لم يكن التجمع " الشعبي " الأول لتدعيم كرسي رئيس الوزراء فقد سبقه في 18 فبراير مسيرة في رابعة النهار رفعت فيها صور الشيخ وأضعفت موقف الموالين ولم تدعمه!! كانت صور الوافدين والآسيويين بملابسهم التقليدية وهم يرفعون صور القيادة أمراً مثيراً للتهكم والسخرية ويطرح التساؤلات، وحتى عبارات " مسيرة حاشدة، وجموع ضخمة " التي أوردتها الصحف لم توف بالغرض فالعدد كان هزيلاً ولم تنجح انتقائية الكاميرا في تغطية صور الآسيويين، على كلٍ كانت تلك " بروفة" مفيدة لتجمع الوحده الذي أُريد له أن يبدو مهولاً فاختير التوقيت المسائي للتجمع " علما بأن قانون التجمعات يمنع التجمهر مساءً" وروج الإعلام الرسمي – وقيادات التجمع- أن الحضور بلغ 450 ألف نسمة في استخفاف بالعقول وقوانين الجبر والرياضيات والجغرافيا معاً !!
فـإجمالي عدد سكان البحرين هو 568 ألف مواطن ثلثهم أطفال " أي أن العدد المتبقي هو 378 ألف أي أنه لو كان كل البحرينيين بأطيافهم حاضرين ولم يكن هناك مسافر ولا مريض فلن يصل العدد لما ذُكر، والمشكلة انه لايزال يروج رجال التجمع له بلا خجل !! ناهيك أن مساحة مسجد الفاتح هي7130 متراً مربعاً ولا يمكن أن تستوعب بأي حال أكثر من 30 ألفاً دفعة واحدة.. والحق أن 30 ألف مواطن ليسوا بالعدد الهين، ولهم وزنهم ولهم كلمتهم ولو كانوا 3 آلاف أو ألفاً..ولكن إمعان الإعلام وقادة التجمع في التهويل واستماتتهم لم تكن لتفلح في إثبات ما لا يمكن إثباته.. أن المعارضة اقلية !!
في لحظة ما تحول الأمر لمزايدات وتباهي عددي وكانت مسيرة الوفاء في 22 فبراير التي امتدت في رابعة النهار على مسافة 3 كيلومتر -ونقلتها كل شاشات العالم إلا شاشه العائلة البحرينية- هي الردّ على التجمع ! كل فريق كان يريد ان يقول " نحن هنا.. ولا قيمة إلا لنا"

الوزراء الأربع.. ومشيمع طليقاً..

في تلك المرحلة حاول ولي العهد الضغط على والده الملك لإعطاء بعض المكاسب للمعارضة لحثها على التهدئة والحوار؛ فتم العفو عن متهمي الخلية الإرهابية " ومنهم أ.حسن مشيمع وعبد الجليل السنكيس وغيرهم من القيادات، غير الوفاقية والتي اصطدمت مع الوفاق في مراحل مفصلية مختلفة " لو صدق الظن وكانت تلك خطة من السلطة لإضعاف الوفاق وتشتيت زعامتها على الشارع فأنا أشهد لوعاظ سلطتنا بالعبقرية والدهاء/ وقد تكون تلك ضربة حظ والله أعلم" كما وتم تبديل 4 من وزراء التأزييم لاسترضاء المعارضة وعلى رأسهم الشيخ أحمد عطية الله الذي لطالما وصف بأنه شوكة في خاصرة الشيعة لتآمره المستمر عليهم..!
لم تستقبل المعارضة الخبر بحماس وامتنان فقبل عام كان خبر كهذا سيتحول لعيد ولكن السقف أرتفع لرئيس الوزراء ولم يعد أي رأس آخر مهماً، وزاد هذا الإجراء من قلق المكون السني الذي بات يمثله الآن التجمع الوطني الذي بدأ خطابه بوجود مطالب وبالرغبة في مد جسور مع الدوار بل ودعا رئيس التجمع في لقاء له مع "الوسط" في 6 مارس إلى "تفعيل الملكية الدستورية بالتوافق بين مختلف الأطراف" ولكن الحديث سرعان ما تغير وصار أن التجمع " يقف ضد أي تعديل أو إسقاط للدستور والنظام وضد التعديلات الوزارية"
***
كيف للبلد أن لا تضيع.. وتغرق في حيص بيص.. وكل يغني على ليلاه ويريد البلد على مشتهاه وينسى أننا شركاء قبلنا بهذا الأمر أم ما قبلناه ..
وهاقد لاح الصباح.. وعلينا ان نسكت الآن عن الكلام المباح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من شهرزاد لملك البلاد( 10).. الشيخ سلمان.. فارس بلا جواد
نشر بتاريخ سبتمبر 13, 2011
 
مولاي سمعت فريقاً يقول " يسقط حمد" وآخر يهتف "الشعب يريد خليفة بن سلمان" فهل يزدك خطاب الأولى إلا ارتياعاً وهل تجد من خطاب الثانية ارتياحاً !!
ولتخبرك شهرزاد ماذا تسمع عندما يهتف البعض "يسقط حمد": هم يريدون أن يقولون يسقط من فصلونا واتهمونا ومنعوا عنا الماعونا..
أو يودون الهتاف يسقط وزير التربية الذي فصل العديد من المعلمين والمعلمات.. ومنع عن متفوقينا البعثات وأذاقهم الويلات..
أو يشتهون الهتاف يسقط رئيس الجامعة الذي رمى الطلبة والأساتذة بالتهم وحقهم في الإنصاف ألتهم..
ويسقط وزير الإعلام لأنه حول الإعلام لأداه فتنه وأهانه للأنام..
أو يسقط وزير الداخلية لأنه أطلق يد العسكر ليدوسوا البرية..
وتسقط وزيره التنمية لأنها لنصف الشعب عاديه مستعديه.. أو يسقط وزير الخارجية الذي يهين معارضتنا الأبية..
يقولون يا مولاي "يسقط حمد" ليختصروا حنقهم على كل هؤلاء.. فمن يسيء لك يا مولاي الهاتفون.. أم هؤلاء ؟!
شهرزاد
الشيخ سلمان.. فارس بلا جواد ..
التقسيمات " الخفية" داخل العائلة الحاكمة البحرينية لم تعد خفية بعد فبراير. فقد تلمس الجميع، وتجرأ البعض على الحديث علنا للمرة الأولى، عن وجود ثلاثة تيارات على الأقل في العائلة الخليفية لكل منها أجندتها ورؤيتها "وطموحاتها":
- هناك تيار الخوالد، الذي يسير شئون البلاد منذ تولى جلاله الملك مقاليد الحكم في مارس/آذار 1999 ويتزعمه وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد وأخوه المشير خليفة بن أحمد قائد القوات المسلحة ويمثل الشيخ أحمد عطية الله – ابن خالتهما وبطل مخطط البندر لتشطير البلد طائفيا- الذراع الأيمن في هذا التيار، ويمكن إدراج الشيخ ناصر بن حمد – النجل جامح الطموح لملك البلاد- ضمن الخط ذاته..
- وهناك تيار رئيس الوزراء " وسنبدأ الإشارة له هنا بخليفة الكبير" والذي يتمتع بنفوذ واسع ضمن العائلة الخليفية لكونه الأكبر سناً ومقاماً ولأنه - وعلى مدار 41 عاماً- كان المتحكم الفعلي بكل مفاصل البلاد والذي لطالما أحسن خلق توازنات داخل العائلة والعائلات القبلية المقربة فضمن ولاءهم المطلق له..
- وهناك تيار الملك وولي العهد وهو التيار الأهم مقاما والأكبر أبهةً.. والأضعف مدداً..
الصراع الخفي على مدار الأعوام العشر الماضية كان محصوراً بين الخوالد وتيار خليفة الكبير على أكبر قدر من السلطة والنفوذ حتى بزغ نجم ولي العهد الشيخ سلمان في 2003م الذي رفض أن يكون صورة على جدار حتى يصله الملك وطمح لدور حقيقي في إدارة البلاد. ولأن الملك – نفسه- كما يروى كان مهمشاً ومحارباً من قبل عمه وحاشية والده عندما -كان ولياً للعهد- تعاطف ودعم مساعي ولده الألمعي الذي تبنى مشروع إصلاح سوق العمل،بعد إصدار الملك لمرسوم يقضي بإنشاء مجلس -برئاسته- للتنمية الاقتصادية، ثم عزز موقعه في 2006م بعد إصدار قانون تنظيم سوق العمل وإنشاء الهيئة العامة وصندوق العمل لتزيد المؤسسات الاقتصادية التابعة له ما اعتبره "الكبير" تعدياً على القطاع الأثير لديه.. وهو القطاع الاقتصادي الذي هيمن عليه – وحده طيلة عقود- دون تدخل من أخيه الراحل ولا من ابنه بعده !

ولأن خليفة الكبير رجل دولة محنك يعرف كيف يدير صراعاته ويحمي سلطاته.. رحب بالقرار ووعد بدعمه ثم فعل لاحقا كل ما من شأنه أن يؤدي لفشل الشيخ سلمان ومشاريعه.. ولم تظهر للعيان قمة جبل تلك الحروب الباردة إلا في يناير 2008م عندما أرسل ولي العهد رسالة لوالده الملك /غريبة في علنيتها وتوقيتها/ بثّ خلالها معاناته من وأقتبس " غياب الانسجام بين ما يراه جلالتكم من قيم ومثل وطينة خالصة وبين السياسات المتبعة لدى بعض أجهزتنا الحكومية" وقد رد الملك على رسالته بالقول بأن "القرار الاقتصادي لمجلس التنمية الاقتصادية وحده" وتمت بعدها توسعة دائرة المؤسسات التابعة لولي العهد لتشمل " المطار والطيران المدني وبابكو،ألبا، طيران الخليج وبتلكو" وكلها مؤسسات كانت تابعة تاريخيا لرئيس الوزراء وابنه الشيخ علي، وهو ما اعتبره "جناح خليفة الكبير" محاولة لإنشاء حكومة ظل، وتقليص صلاحيات رئيس الوزراء الذي أدرك ما جرى، فهرع لدول الجوار ليوطن مكانه بفزعتهم.. وبعد ان أطمئن لوجود "كابح" لطموح التيار الجديد، عاد ليدير بروية المشهد، فلم يصطدم مع أحد بل أحتّنك لولي العهد منتظرا الفرصة للتضييق عليه واستعادة ما يراه.. ملكاً له.
****
احتجاجات شباط تعيد هيكلة التحالفات..

تفجّر الاحتجاجات في 14 فبراير وحّد فريقين وقوّى – مؤقتاً- فريقا واحدا.. فرغم تنافر تياري الخوالد وخليفة الكبير إلا أنهما اتحدا على ضرورة ضرب هذه التحركات ودفنها في المهد والتهم جاهزة من خمسين عاماً: الولاء والعمالة للخارج.. وبذلك اتحدت قوى الجناح التقليدي والجناح المتشدد في العائلة على القمع والتصفية وكان من السهل إقناع الملك " الذي لا يميل للعنف ويجنح للتسامح بطبيعته" بالإذعان لرؤيتهم كأغلبية..
ولكن القمع كان يزيد نار الاحتجاجات حطباً، وصورة الحكم التي صقلها الملك بعناية بدأت تتلطخ "وهي جزئية تهم الملك ولا تعني الكثير لهم " وسط هذا المأزق الذي كان الكل يصرخ فيه " أضرب" كان صوت واحد يقول " فلنتحاور معهم، فلنجد مساحة مشتركة".. هذا الصوت كان صوت ولي العهد الذي مُنح – لمدة شهر- صلاحية كاملة من الملك الذي أغلق – للمرة الأولى ربما- سمعه عن نصائح الخوالد وضغوطات تيار خليفة الكبير استمع لابنه الحبيب الذي وعده بتدبر الأمر وإيجاد حل سريع وفاعل للأزمة على المستوى العام لينقذ والده وملك أجداده وعلى مستوى شخصي ليثبت إمكانياته المكبلة..
****
تراجع التيار المتشدد وتحمل استفزازات الشارع التي بلغت ذروتها بالوصول لمبنى مجلس الوزراء ورفع الكارت الأحمر للشيخ خليفة تعبيراً عن طرده من" اللعبة".. ولكن خليفة الكبير كان أذكى من أن يسقط في فخ الاستفزاز أو يكشف استياءه من منح هؤلاء " الأوغاد" هذه الحرية ولكنه فعل ما يجيده وما زاده المران عبر السنوات قوة عليه: انتظر ودبّر..
****
مطالبة ولي العهد للمعارضة بالجلوس على طاولة الحوار وقتها كانت فرصة ذهبية لطالما علمت أننا سنبكي عليها دماً.. لقد كانت الأجواء مهيأة وفتح المجال للحوار بسقف مفتوح كان من الممكن أن يجنبنا عذابات الأشهر اللاحقة ، وكان من الممكن أن يخفق، ولكننا لن نعرف أبداً لأننا لم نقتنص هذه الاحتمالية ولكن ما نعرفه – على الأقل- هو التالي:
إن عدم دخول المعارضة في الحوار أضعف موقفها دوليا ومحليا، وأضعف موقف ولي العهد الذي فشل في المهمة التي تصدّى لها وخسر الكثير بعد أن تم "الانقضاض" على المؤسسات التابعة وتقليص دوره، كما وتغولت قوة التيارين "التقليدي والمتشدد" حتى على حساب الملك نفسه..
****

لا تبريراً لغلطة الوفاق بل قراءه لورطتها..
ما لا يدركه البعض أن طرح ولي العهد لمبادرة الحوار بهذه السرعة " طرحها في 19 فبراير" باغت المعارضة التي لم تكن قد بلورت مطالبها بالكامل بعد، ولم تكن قد نسقت مطالبها مع الشارع الثائر ولا حركة 14 فبراير لذا تلكأت في دخول الحوار لكسب الوقت وتنظيم صفوفها.. عقبة أكبر عرقلت الفرصة ،وهي أن صوتاً غضاً على السياسة انطلق ليقول " لا للحوار" وأن الحوار "خيانة لدم الشهداء".. وبوضع هذه العناوين العاطفية أمام الشارع الغاضب وجدت الوفاق "التي تمثل المعارضة – انتبهوا- ولا تقودها فعلياً" نفسها في مأزق جعلها تنكمش وتتثاقل في دخول الحوار خشية أن تعاندها الجماهير وتنتفض عنها وتخسر قواعدها.
المخرج الذي وجدته الوفاق لهذه المعضلة تمثل بوضع شروط مسبقة/مستعصية للحوار. إقالة رئيس الوزراء وحكومته على رأسها واضعين بذلك " العقدة ف المنشار" على رأي إخوتنا المصريين.. فإن وافقت السلطة – وهذا مستبعد- على الشروط فقد كسبت الوفاق الصراع دون خسائر، وإن رفضت فهي في حّلً من لوم التاريخ والنخب على ما سيحدث بعدها.. غلطة الوفاق هنا أنهم أذعنوا لأمر الشارع ولم يقودوه: والقائد يتخذ القرار الصحيح ويتحمل تبعاته ، يأخذ بيد الشارع لما فيه الصلاح ولا يخاف ردات الفعل وإلا.. فما الفرق بين القائد وسواه !****

صارت العربة قبل الحصان نقول:
وأطاع القادة رغبات الفلول وبقينا في ذهول.. حتى هجم علينا الغول !!
وها قد غمز الديك لشهرزاد التي بدأت تشوف.. أن جوهر ترك السيف وصار يحمل كلاشنكوف !!
13- سبتمبر - 2011
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شهرزاد(9): فلنسمي الأشياء بأسمائها: ليس انقساماً طائفياً.. بل انقسام حول رئيس الوزراء
نشر بتاريخ اغسطس 21, 2011
 

عن لجنة بسيوني الناس سألوني..
فقلت فلنصبر ونعي أن العالم ليس ساذجاً يعرفُ ويخّبر.. وكل محاولات الترويج لأن ما تقوله المعارضة (هريج) هو مجرد تهريج وحبس الحقائق في صهريج لن يقود – يوماً- لشيء بهيج..!
ودون قرار - بالتراجع والاعتذار- لن تعرف الاستقرار وسندور في دوامة لن ينجو منها أحد دون أن تسحق عظامه.. ووحده الواهم من يظن أن "الدفدفة" على الزلات تجنبه الانتقادات وتنأى به عن المسائلات فنحن اليوم على طريق اللاعودة ولهذا الحديث ستكون لنا عودة..
اليوم نكمل ونتحدث عن ما أبرز الأخطاء وكل ابن آدم خطاء وللخطّاء أن يتوب ويعترف بالذنوب ليصلح الدروب أما المُنّكر فيصر على التكرار ومصيره النار.. وبئس القرار..
شهرزاد..
*****
" عندما ترى أن السماء سقفك، والقمر مصباحك وكل من حولك أهلك فتبسم.. أنت في الدوار "
تداول الرسالة النصية أعلاه التي تختصر واقعاً كثيراً مما يجب أن يقال عن ليالي التجمهر في الدوار.. فالناس كانت سعيدة ، هكذا دون سبب معلوم، كانت تشعر بالألفة وبأن حياتها ستتغير وأن حقبة جديدة ستولد.. كل من كان هناك كان لديه حلم كبير وحلم آخر "على قده" : حلم عاطلة بوظيفة، حلم رب أسره راتبه 200 دينار بدخل أفضل.. حلم زوج يقطن غرفة مع أطفاله الثلاثة "ويواجه صعوبة في الاختلاء بزوجته" بمنزل ! حلم بحرينية متزوجة بعربي بجنسية لأبنائها. أحلام وأماني كثيرة ، بعضها بسيط، ولو أن الحكومة استمعت قليلاً، واهتمت قليلاً، لما ضاق الناس بها وضجوا !
من اغرب " الأحلام" التي سمعتها في جولاتي المسائية كان حلم متظاهرة بالإنجاب (!!) " تصدقين أني متزوجة من 11 سنة وما عندي أولاد – قالت لي وهي تصك وجهها بالعباءة – وش أسوي؟ عملية الأنابيب تكلف ألفي دينار ولو صُمنا أنا وزوجي عن الزاد لن نوفر نصفهم ! زوجي " سكيورتي" في مجمع وطلب مراراً وظيفة في الداخلية لما عرفنا أن مستشفى الدفاع يوفر هذه العملية –مجاناً- للعسكريين.. أربع سنوات ونحن نحلم بهذه الوظيفة لتكون بوابتنا لحمل طفل..لكن هذه الحكومة الظالمة تفضل توظيف السوريين والبلوش والهنود وإغراقهم بالمزايا التي تحرمنا – نحن- أبناء البلد منها" قالت وقد برزت عروق جبينها من الغضب..
****

لقد أندفع الناس للدوار ليسكبوا أحلامهم الصغيرة في مسرّاب حلم كبير وهو تغيير رئيس الوزراء الذي يدير البلاد منذ 4 عقود ويُحمّله هؤلاء – شخصياً- مسئولية المرارة التي تجرعوها لسنوات.. هم مؤمنون بأنه يكرههم؛ وبأنه من همشهم وهاهي الفرصة قد واتتهم أخيراً ليرفعوا صوتهم ويقولوا له : لا نريدك !!
بالطبع شريحة واسعة من المتظاهرين لم تكن ترى المشكلة فيه -ولا في غيره- بقدر ما هي في السياسات والدستور والصلاحيات "وهي الفئة التي لم تكن لها - إجمالا- أحلام شخصية بقدر ما كانت تدافع عن مبادئ عامة" بيد أن صوت هؤلاء بدا خافتاً مقارنة بصراخ سواهم..
يُقال دوماً أن الصراخ على قدر الألم لذا فإن من تسيدوا الدوار لم يكونوا القيادات ولا النخب السياسية والفكرية بل جموع المهمشين الذين تسلموا القيادة ضمنياً.. وتلك كانت المشكلة الأكبر: لقد كانت العربة قبل الحصان.. لقد تجمهرت الجموع الغفيرة للمطالبة بالديمقراطية والحقوق المسلوبة – نعم- ولكن غياب قيادة متمكنة ومحنكة جعل عقال الأمور تفرط أحيانا.. ولأن نقطة الحبر السوداء هي أول ما تقع عليه العين في الثوب الأبيض كنا نطالب الناس دوما بضبط تقولاتهم وشعارتهم خوفا مما كنا نخشاه وحصل.. ضُخمت الممارسات على حساب الأساسيات.. واتخذت أخطاء عابرة كذريعة لسحق مطالبات عادلة..!
****
مساحة الحرية التي توفرت لأناس عانوا من الكبت لسنوات أفقدت البعض توازنهم ف فأستغلو فسحة الحرية هذه لإهانة رموز القيادة بشكل نابيً أو بوضع صورهم على صفائح القمامة أو تشويها.. تلك الممارسات بدرت من قلة ولكنها نفرت كثيراً من المحتجين وبلغ تأثيرها مداه في السنة بشكل خاص الذين أنقطع بعضهم عن المشاركة في الدوار لهذا السبب بالذات.. كثيرٌ من هؤلاء يرون تغيير رئيس الوزراء مطلباً واقعياً -وحتى ملحاً- ولكنهم لم يكنوا ليقبلوا بإهانته كشخص أو كرمز.. فالسنة في البحرين نشأوا تحت وهم أنهم " الأبناء المدللون" للسلطة وبأن رئيس الوزراء – حكومته من ورائه- يؤثرونهم ويقربونهم مقارنة بالشيعة.. لذا فَهَمَ هؤلاء ثورة الناس في الدوار على أنها " مطالبة بتقليص امتيازات السنة وإلغاء تفضيلهم" وأن الهجوم الشخصي على رئيس الوزراء " انتقام منه لإيثاره للسنة".. لقد جنت السلطة أخيرا ثمار سنوات من التفرقة بين المواطنين.. فالانقسام حول شخصية بحجم رئيس الوزراء كان كفيلاً بشق البلاد وتحويل المسألة من حقوقية ومطلبيه إلى طائفية.. فبين فئة ترى رئيس الوزراء رمزاً أبوياً مقدساً يمكن أن يُنتقد – إنما- من هذا المنطلق لا سواه، ولا يمكن القبول بتنحيته قسراً أو إهانته بأي شكل.. وبين فئة أخرى ترى رئيس الوزراء رمز لعذاباتها.. لاحظوا أن الناس لا تلوم أمير البلاد الراحل ولا وزير الداخلية المُقال على ما حصل من تنكيل بالمطالبين بالديمقراطية في التسعينات بقدر ما يوجهون أصابع الاتهام لرئيس الوزراء نفسه: فهو من أمر بتعذيبهم ونفيهم وفصلهم وسحقهم وحرمانهم -كما يؤمنون- والهوة بين قناعة الفئتين هي تحديداً ما أوقع فيه البلاد..
****

الأخطاء تتوالى والإعلام يتربص..
للأمانة التاريخية نقول أن الكثيرين حاولوا لجم هذه التجاوزات منذ البداية خصوصاً وان ماكينة الإعلام كانت تنفخ في هذه الأخطاء متجاهلة كل ما عداها..مشادات عنيفة وقعت بين المتظاهرين في الدوار حول الإساءة لرموز القيادة، عادةً ما تنتهي بانسحاب الشباب الواعي لصالح الأرعن المتهور..ذات ليلة شهدت الفصول الأخيرة من مشادة بين شاب " لا يعدو عمره الـ22 بالمناسبة" وشابه قروية – قوية- في نهاية العقد نفسه.. جاء هذا الشاب بقرد وعلق عليه اسم أحد الرموز القيادية فعابت الشابة تصرفه وطالبته بنزع الاسم فوراً، ردّ عليها بفضاضة ولم تستسلم فعلا صوتهما وألتف حولهما الناس ! ولولا أنها فتاة لأمتد الشباك للأيدي بكل تأكيد.. يومها وقف الناس موقفين لافتين:
جماعة دعت " للصلاة على النبي" وتهدئة الموقف فيما اصطفت الجماعة الأخرى مع الفتاة واستنكرت فعل الشاب الذي لم يدعمه أحد.. وكان السؤال الحاضر وقتها: لماذا لم ينبس كل هؤلاء بكلمة حتى تكلمت الشابة ؟ انتهت الجولة باختفاء القرد وتقهقر صاحبه ولكن القاعدة ظلت واحدة: تجاهل الناس تصرفات رعناء لأنهم ركزوا على أمور أهم واكتفوا بهز الرأس استنكارا جاهلين أن هذه التصرفات العابرة هي ما سيقصم ظهرهم في النهاية.. وقد رأينا كيف ركض مستثمرو الفتن للدول الخليجية وتباكوا على تلك المشاهد لعلمهم أن العقلية القبلية التي تتسيد الخليج- ستستشيط من هذه الممارسات بالمطلق وستتخذ مواقف عنيفة حيالها ..
****

كتبت للناس يوماً " هل تقبلون أن يساء لرموزكم ؟" لو كان الشيخ عيسى قاسم أو حتى من هم أقل منه مكانة في قلوبكم تعرض للإهانة ووضع صورته على صفائح القمامة أكنتم ستقبلون بالأمر" مجرد السؤال ، الفكرة بذاتها، أثارت غضب البعض.. وكان حرياً بهؤلاء التفكير بمشاعر سواهم.. ولو تم التركيز على نيل المطالب ،عوضاً عن النيل من الشخصيات، لما وقفنا عند هذه المفترق.. فلا الفئة الأولى ستتخلى عن رئيس الوزراء خصوصاً أن جريرته الأولى – في تقديرهم- إيثاره لهم كجماعة وفئة.. ولا الفئة الثانية مستعدة لتقبله بعد كل ما حصل.. وبين تلك الفئتين طيف قلق، عاجز عن إيجاد نقطة التقاء بين التيارين.!!
****

عرفتم لماذا أجهض وليد الحوار؟ ولماذا ولي العهد بين الخصمين حّار..
سنكمل لاحقا فالفجر لاح.. وحان وقت الصمت عن الكلام المباح

21- اغسطس- 2011
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


شهرزاد (8) سقطة الجيش.. والدوار مخموراً بالقوة..
نشر بتاريخ اغسطس 12, 2011
 
شهرزاد لن تسّجع اليوم فهي محزونة..رمضان انتصف وقرص الفرح انكشف ومازالنا ننتظر عند الشبّاك..
أطلقوا الأسرى..أطلقوا الأسرى.. أطلقوا الأسرى..
ماذا تريدون بهم..!
لا نستطيع أن نفرح في العتمة..
شموعنا عندك ..
شهرزاد..
****
ونكمل الرواية.. انطلاق شرارة التخوين ..
من المتعارف عليه في كل أصقاع الأرض أن مهمة الجيش هي حماية الحدود الإقليمية للدولة من أي غزو وعدوان خارجي.. لذا كان نزول الجيش ، بدباباته وعساكره وعتاده، لتصويب نيرانه لصدور مواطنين عُزّل أمراً مخزياً بكل المقاييس وسابقةٌ لا يمكن رصدها إلا في الدول القمعية، لذا كان لابد من إيجاد صيغة لتسويغ هذا العمل المستهجن قانونيا وعرفياً أمام الناس، " لقد دمعتْ عيني عندما رأيت شاباً يقف بصدره العاري أمام دبابات الجيش –كتب أحد الخليجيين في تويتر- لست ملماً بما يجري ولكن هذه ليست " مرجلة" !!
المفارقةُ هي أن جيشنا الباسل لم يخض - خلال 41 عاماً من تأسيسه- أي حرب أو صراع من أي نوع رغم استهلاكه لربع ميزانية البلاد تقريبا.. لذا كان لافتاً – ومؤلماً- أن تكون مهمته الأولى على الإطلاق، أول اختبار لجهوزيته وبطولته وشجاعته، هي قمع أبناء البلاد غير المسلحين !!
كان لابد من الاجتهاد لتصوير الأمر على أنه "مؤامرة خارجية" لإنقاذ سمعة البلاد.. لم يكن هناك بديل -أصلا- وإلا لبدا تدخل الجيش قبيحاً جداً خصوصاً بعد الموقف المشرف للجيش المصري الذي رفض التدخل لصالح السلطة بل وحمى المتظاهرين من مرتزقة النظام.. لذا سارع النظام لربط الأمر " بأذرع خارجية" تماماً كما يفعل كل نظام عربي يتعرض لثورة شعبية فيسارع لإلقاء الطابة في مرمى خصومه التقليديين لئلا يضطر للاعتراف – ولو لنفسه- بسخط الناس عليه..
( دردشة خارج النص: زين العابدين لام "الإرهابيين" المدربين في معسكرات الخارج، وحسني مبارك اتهم الأخوان المسلمين الممولين –بسخاء- من الخارج، وتفنن علي عبد الله صالح في اتهام الولايات المتحدة وإسرائيل بتأجيج الثورة ضده ودعم معارضيه المسالمين الذين يصفهم بـ"القتلة"، أما القذافي – سلام الله عليه- فقد اتهم المعارضة بأنها " قله قليلة ممولة من الخارج تطمح لتقسيم ليبيا وتحويلها للمسيحية، وهاهو بشار الأسد يتهم "المندسين الذين لا يمثلون الشعب السوري " بإشاعة الفوضى، فساعة يتهم خصومه في لبنان بتحريك الاحتجاجات وساعة يتهم قطر بالتآمر مع واشنطن لاستبداله بالإخوان المسلمين وهو يتهم -إجمالا- كل من يفضح ممارساته بأنه طرف في المؤامرة على حكمه الرشيد " إلا يذكركم هذا بشيء (:"
فالشعوب العربية – في مخيلة حكامها- تذوب عشقاً وتيهاً في التراب الذي يمشون عليه، وهي – الشعوب- سعيدة جداً بهم ومعهم ولولا الخشية من الشرك لذكروهم في الصلاة؛ لذا فإن كل ثائر هو – بالضرورة- خائن مدفوع من الخارج، ممول من الأعداء.. وقتل هؤلاء – شرعاً- حلال وسحقهم وتجويعهم وهتك أعراضهم مستحبٌ أو – أقلها- جائز. فخيانة الوطن " الممثل في الحاكم" جريمةٌ لا يغسلها الموت نفسه..!
ومن حسن حظ البحرين أن المشجب المثالي موجود.. إيران.. إيران التي لم تترك لها صاحباً بسبب تصريحاتها ومواقفها المنفلتة والتي استعدت العّمة " أمريكا" ذات نفسها.. وإن كان صدام حسين رمى معارضيه بالعمالة لإيران "وكثيرٌ منهم بعثيين وسنة" فما بالكم بموائمة هذه التهمة للشيعة في البحرين الذين لا يُهم إن كانوا يساريين، قوميين، ليبراليين أو حتى ملحدين..هم شيعة بالمولد لذا فإلصاقهم في إيران سهلٌ يسير.. ونعترف للسلطة بنجاحها –ودهائها- في ذلك..
****

بعد تخوين نصف الشعب علناً فرط زمام الأمور أكثر، وفقد الناس كل ثقتهم بالنظام وبدؤوا ينظرون للأمور بشكل مختلف " مشكلتنا ليست الفقر ولا البطالة ولا التجنيس" أدرك هؤلاء " مشكلتنا في نظام لا يحترمنا ويعتبرنا مواطنين درجة ثانية.. نحنُ أهل البحرين الذين يثبت كل الكتب تاريخنا وجذورنا الضاربة في هذه الأرض ووجودنا الذي سبق حتى وجود العائلة الحاكمة – نفسها- نعامل كمواطنين درجة ثانية وثالثة وعاشرة ويفضل الغرباء علينا لأسباب طائفية مقيتة " بدؤوا يدركون..
لقد كانت تلك لحظة تاريخية استيقظ فيها الوعي الجمعي لمئات الآلاف من البشر دفعة واحدة..( نحتاج لتغيرات جذرية لنعيش) فكر هؤلاء.
بأي حق نُستعبد..؟ ألم نوقع على ميثاق العمل الوطني ؟ ردد البعض " ألم ينص الميثاق على أن نتحول لمملكة دستورية وعليه يغدو أميرنا.. ملكاً..!
لماذا حرمنا من الجزء الخاص بنا من الاتفاق/ الميثاق ؟
أسئلة هاجمت المتظاهرين الذين بدأت رقعتهم تتسع تباعاً في ظل تنامي الإحساس بغدر وظلم السلطة..
****

ولى العهد.. من الظل إلى المقدمة ..
كانت الأمور على أشدها ولم يكن لأحد أن يتنبأ بما سيحصل خلال ساعات.. الجماهير متوفزة والنظام مرتبك لسببين على الأقل: سلمية الاحتجاجات التي جعلت ضربها يبدو مخزيا أمام العالم كما أسلفنا وحقيقة أن المعارضة " الوسطية والمتطرفة" اجتمعت على كلمة واحدة -لأول مرة- واصطفت معهم قوى وطنية غير معارضة بل وشخصيات اعتبرت موالية.. أنباء الاستقالات في صفوف النخبة من شوريين ووزراء بدأت تتسرب.. تجميد عمل المؤسسة التشريعية بعد انسحاب الوفاق – الكتلة البرلمانية الأكبر- وإعلان استقالتها.. حملة الانتقادات الدولية.. كل هذا كان أكثر من أن تستوعبه/ أو تتعاطى معه السلطة في وقت قصير..وهنا خرج ولي العهد للمشهد فجأة – وهو المغيب عن القرارات السياسية والمُحارب ضمنياً والمحصور في الشق الاقتصادي- ليمّد طوق النجاة للبلد التي تغرق..
****
كان الناس يقصفون في الطرقات عندما خرج ولي العهد مطالباً بالتهدئة والحوار فيما اعتبره البعض يومها انتصارا للمعارضة في حين أنه قدم بذلك الخدمة الأكبر للسلطة التي كانت بين شفرتي مقص: فالقوة كانت تأتي بنتائج عكسية، والتراخي قد يُفسر كضعف فيفقد النظام سيطرته.. ربما ساعد ولي العهد بفسحة التهدئة التي منحها المعارضة مرة.. ولكنه ساعد السلطة مائة مرة عندما منحها الفرصة- والوقت- لالتقاط أنفاسها واستجماع قوتها وترتيب خطواتها..
****

شهر مرّ.. أقر فيه ولي العهد ممثلاً للسلطة بحق الناس في التجمهر.. انسحب الجيش وسُمح بالمسيرات ما دفع الإعلام الرسمي لتغيير لهجته أيضاً، فأعلامنا يرقص على موسيقى السلطة والمعزوفة كانت وقتها .. هادئة..
هذه المساحة المفاجئة التي منحت للثائرين أعطتهم إحساسا بالقوة الوهمية.. سكّرتهم القوة ففقد بعضهم الإحساس بأبعاد خطواته..فعندما تتذوق طعم القوة والمكانة بعد إن كنت مهمشاً يختل توازنك.. وكما أن هناك "محدثي" نعمة..هناك "محدثو قوة".. وهذا هو تحديداُ ما أصاب البعض يومها..
***

كيف وأين.. وبأي عين؟
لن نصمت بل سنقول لأرباب العقول.. فتجربتنا يجب أن تقيم.. والأخطاء يجب أن تُدرس وتعين.. واسمحوا لشهرزاد فهي صريحة سيما ما أن تنفجر عندها القريحة
ولكن الفجر قد لاح.. وستسكت مؤقتا عن الكلام المباح.
10- أغسطس- 2011
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شهرزاد (7) شعار يسقط النظام.. بلا بهارات خليجية
نشر بتاريخ اغسطس 7, 2011
 

لا تسألنَّ مال شهرزاد اليوم حزينة، فشهر الخير أقبل بلا خير.
قلوب الأمهات فارغة ووجنات الأخوات دامعة.. والمفصولون والمعتقلون والمعذبون والمهجرون، كلهم ينزفون.. ألا تشعر يا مولاي بثقل حزنهم.. بحرارة دموعهم وزفراتهم.. ألا تهاب.. سطوة غبنهم ؟
ألا تخشى مرور ملاك بسجادة صلاة زوجة عاجزة عن منح أبنائها ما يشتهون وأبوهم مسجون؟
ألا تخاف أن تكون من رب العباد ملوم لو نامت أمٌ وقلبها بالحسرة مختوم ؟!
شهرزاد رغم الابتلاءات لازالتْ تقول أن ملكنا ليس بفرعون ولكن له من شاكلة هامان عشرون، يملؤون له الكؤوس بالأكاذيب ،ويحرضونه على كل أمر معيب ،ويوغلون صدره على الرعية ، ويعرقلون الخير ويحرضون على الأذية..ولكن الوقت يا مولاي ما فات ومفتوحة هي أبواب السموات..أطرقْ السمع لمن عليهم ربك ولاّكَ ، وأبعدْ عنك القساة، حذّارِ من قهر الضعفاء وطاعة اللئام الذين يجهلون سنن الكون، وحقيقة أن النصر دوما من نصيب.. المظلوم.
والآن نكمل باقي الفصول لذوي العقول وننقل ما جرى في الدوار، وقصة الثوار..وهدم الجدار
شهرزاد
****
كانت عودة المتظاهرين للدوار بعد الخميس الدامي مدعاة للعجب " أعتقد أن الشعب البحريني أشجع الشعوب – كتب أحد الأجانب- هذا المكان شهد مأساة ،فكيف استطاع الناس العودة وتخطي الصدمة بهذه السرعة "؟؟ تساءل مندهشاً..
ما غاب عن إدراك هذا المراسل وسواه أن الناس الذين خرجوا يتراكضون بذعر فجر 17 فبراير لم يكونوا – أنفسهم- من عادوا له بعد ثلاثة أيام.. شيء ما فيهم تغير –أو- لنقل انكسر، انكسرت ثقتهم بمؤسسة الحكم وانكسر خوفهم منهم. كان تولستوي يقول" أن أخطر رجال الأرض هو ما لا يملك ما يخسر" وكثير من هؤلاء لا يملكون ما يخسرون، فحتى كرامتهم – الشيء الوحيد الذي يتدثرون بدثاره - أريق عندما استيقظوا ووجدوا أحذية الشرطة على رقابهم، يرشونهم ببنادق الصيد ويسبونهم ويسبون أمهاتهم وعقيدتهم بلغة عربية مكسرة..!
من خرجوا في 17 فبراير من الدوار كانوا مرابطين للمطالبة بإصلاحات " وكان تغيير رئيس الوزراء الذي يقود البلاد منذ أربعين عاماً أقصى طموحاتهم" ولكن من عادوا له لاحقاً كانوا يطالبون ويهتفون بإسقاط الملك نفسه.. الملك الذي أحبوه ووعدهم أن جرائم التسعينات لن تتكرر، الملك الذي – رغم انتقاداتهم له – كانوا يرونه مختلفاً ومحباً ومعتدلاً حتى أطلق عليهم يد من لا يرحمهم فتفجر غضبهم.. بإتجاهه !
***
لم تكن الجماهير يومها راغبةً في سماع أي شيء عن "المعادلات الإقليمية" التي تجعل إسقاط النظام مستحيلاً.. ولا الاحتمالات الفعلية لنجاح المطالب - بقالبها هذا- في دولة خليجية.. لم يكونوا مستعدين لمحاورة أحد حول تبعات هذا الطرح داخلياً ولا تأثيره على الموالين الذين يقف سقف - حتى المتمردين منهم- عند نواصي الملك.. لم يفكروا في البديل..أهناك بدائل مقبولة ؟ هل البلد مستعدة الآن لتنتخب ملكاً إن كانت الانتخابات البرلمانية فشلت عبر عقد كامل في اصطفاء نخبة سياسية بسبب تحكم كل شيء في الانتخابات إلا.. الكفاءة !
لم يكن لكل ذلك الحديث مكان.. ولم تكن الجموع الغاضبة مستعدة أن تسمع.. تم استنساخ شعار " يسقط النظام" دون إجراء أي تعديلات ليتناسب مع " الذائقة الخليجية" وكانت تلك غلطتنا الأولى.. وكأن الوقت كان أضيق من أن نبتكر شعاراً خاصاً يلخص محنتنا وتطلعاتنا...
****
لقد تغيّر كل شيء – نقول- بالنسبة للمتظاهرين.. بدا بيان الجيش رقم "1" الذي بثه وجه كئيب وكأنه إعلان حربٌ عليهم. ودبّ الخوف في نفوس النخب المعارضة لما بدا وكأن الجيش تغول - حتى على حساب السلطة التنفيذية نفسها- فاعتزلوا نقاش الجماهير وتفرغوا لمواجهة السلطة.
(( كلمات خارج النص : كنت واحدة من بين هؤلاء الذين عجزوا عن التصدي للمد.. نعم وقفت في السلمانية والدوار ومواقع عدة مراراً أطالب بتقنين الشعارات وتركيزها على الهدف وأذكرهم بالعيون التي تتربص وتتصيد وكررت بأن فتح كل الجبهات – دفعة واحدة- خطأ تكتيكي وإن آخر الدواء الكي و..و..ولكني وصلت سريعاً لنتيجة مفادها أن الناس تسمع – فقط- ما تريد وهي النتيجة - ذاتها- التي وصلت لها شخصيات عدة حاولت المثل، وسرعان ما فكر بعضنا أن مواجهة بطش السلطة - في هذه المرحلة- أولى من توجيه الجماهير وكانت تلك غلطة سندفع ثمنها لاحقاً.. غالياً))
الجميع ظن أنه سيجد متسعاً من الوقت لاحقاً لـ " توحيد المطالب والتفاهم حولها" وتركت القيادات الجماهير ، التي كان لازال طين مطالبها طرياً ، تهتف على هواها.. في الأيام الأولى كانت الجماهير تهتف مع من يطالب بإصلاح النظام ثم إن وقف أحد يهتف بالموت لآل خليفة هتفت - ذات الجماهير- معه، وإن أتي شخص ثالث على المنصة لينهاهم عن الدعاء بالموت على عائلة بأكملها فيها أطفال ونساء وأبرياء وافقوه وهتفوا معه أيضاً !!" كانت الجماهير في البدء قابلةً للتشكل ولكن طين المطالب سرعان ما جفّ وتصلّب قبل أن تأتي الفرصة لصقله وتعديله. فراديكالية الأمن في التعاطي مع المتظاهرين زادت الشعارات راديكالية.. كان الموج عالياً ،واختطفت الشعارات بسرعة لصالح إسقاط النظام الذي لم يكن جلّ الموجودين متفقين على تعريفة..
( كلام آخر خارج النص) كنت لتسأل البعض ماذا تعني بإسقاط النظام؟ فتتباين الأجوبة:
أغلبهم كان يرى إسقاط النظام مرادفا " لتغيير رئيس الوزراء" ويقول آخر " إسقاط الفساد والمحسوبية والظلم في البلاد" ويقول ثالث "رحيل السلطة" فيما يتلعثم البعض الآخر لضبابية المطلب لديه.. يومها كان على المعارضة أن تتفق مع جماهيرها حول مطلب محدد تلتف حوله –ولكن- تزاحم الأحداث لم يسمح.. فسيطرة فكرة القطيعة مع النظام على الوعي الثاوي للعامة فخرجت السيطرة -حتى عن أقطاب المعارضة أنفسهم- الذين أصبحوا مضطرين للانقياد لرغبات الشارع عوضاً عن قيادته..
***
من هنا بدأت المعادلات تتغير.. وصارت العربة قبل الحصان
والحصان من سياط الجلاد مجروح.. والدم يسيل على عينية، والرؤية عسيرة عليه ..
وها قد أدرك شهرزاد الصباح.. وعليها أن تسكت – مؤقتاً- عن الكلام غير المباح..

7 - أغسطس - 2011

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من شهرزاد لملك البلاد (6) عندما "طهرتم" الدوار و "لوثتم" القلوب

نشر بتاريخ يوليو 30, 2011
 
عندما يفرق الأب بين الأخوة يا مولاي..تدخل بينهم العداوة والبغضاء، وتنقلب أخوتهم خصومةً وشقاء..
فما بالكم عندما يأتي أب ليعطي احد أبنائه بندقية ويطلب منه توجيهها لصدر أخيه، ويعطيه بعدها شاشةً فضائية.. ليسبه ويزدريه، ويؤجره على تخوين أخيه.. ويكرمه أن كفرّه وبالعمالة وصفه !!
ما في البلاد ليس من فعل الطائفية.. بل قطاف التفرقة بناء على الهوية.. وليسأل العباد ضمائرهم ولا يعلون الكعب عن الحقيقة: هل يعامل البحرينيون معاملة متساوية ؟ أهم حقاً سواسية ؟ قبل فبراير وقبل التسعينات وقبل ثورة إيران التي تتخذونها حجةً.. واهية ؟
هل كان البحرينيون يوماً تحت – ظل الحكم- سواسية ؟
عقود والناس تُظلم ومن حقوقها تُحرم، وعلى القبول بالإجحاف تُجبر، واليوم لما نطقوا ومن حالهم سئموا صاروا هم.. المجرمون الجاحدون !! ألا ساء ما تحكمون !!
اليوم نكمل ونقول متى بدأت العداوة تتسلل للعقول.. وسنفصل ما حدث بعد يوم الغدر عندما تسلل العسكر على النيام ورشوهم وفرقوهم كالأنعام..
شهرزاد
*****
17 فبراير " تطهير الدوار"و " تلويث المجتمع" ..
لم يكن لبشر أن لا يشعر بالألم لما حدث بعد ذلك الفجر المصطبغ بالدم.. كانت الجروح تنزف وقبور الضحايا ووجنات أخواتهن وأمهاتهن لم تجف بعد حين تبادل الناس التهاني وخرجت مسيرات في الطرقات تحتفل بـ" تطهير الدوار" كما أسمته الداخلية التي اعتبرت المتظاهرين على ما يبدو جراثيم وليسوا بشراً !!
تلك التصرفات الشامتة المتشفية بدرت من قلة قليلة ، أغلبهم شباب جهلة، ولكن وقعها كان مدوياً.. قد لا يكون إجمالي من تشفوا في القتلى والجرحى كبيرا ولكن صوتاً ما لم يقل لهم " عيب" وقد ألقت هذه الواقعة بظلالها على علاقات الناس.. كثير من الأصدقاء خسروا أصدقاءهم في ذلك اليوم بالذات.. مواطنون سنة وشيعة تربوا مع بعضهم وأكلوا من صحن واحد وعملوا كتفا بكتف لأعوام ولكن.. عندما وقف البعض موقف المبرر أو اللامبالي من الضرب الوحشي للمعتصمين حدث شقٌ كبير بينهم ولم يكن هذا إلا قمة جبل الجليد.. فهناك سبب أساسي – عمره ستون عاماً أو يزيد- كان قابعاً وراء شقاق البحرينيين في ذلك اليوم الكئيب..
***
كثيرون ينسون/ يتناسون أن السواد الأعظم من العائلات السنية الكريمة لديها قريب من الدرجة الأولى -أو أكثر- في الدفاع أو الداخلية أو الحرس الوطني وغيرها من الوظائف العسكرية التي عمدت السلطة منذ الستينات على حكرها على أبناء الطائفة السنية " نتحدث هنا عن ما قبل الثورة الإيرانية التي تتذرع بها السلطة لتبرير إقصاء الشيعة عن الوظائف العسكرية، فعدا عدد هامشي جدا من الشيعة – وفي مواقع غير حساسةً عادة- فإن كل الوظائف العسكرية تذهب أما للسنة أو للأجانب بالمناسبة الذين تتجاوز نسبتهم الـ65% في الداخلية وبالتالي.. فإن وصف العسكر في ذلك اليوم " بالمجرمين والمعتدين والأنذال " كان مرفوضا بالنسبة للسواد الأعظم من السنة الذين تربوا على توقير وتقدير العسكر؛ والذين انتفض عقلهم الثاوي لفكرة تجريم المؤسسة العسكرية.
نعم؛ لم تكن النظرة لواقعة 17 فبراير " الخميس الدامي كما سُمى" متجردةً من نبضات النفس بالنسبة لهم ولو كانت نفس الواقعة، بنفس التفاصيل، حصلت في دولة أخرى لتعاطف معها سنة البحرين واستنكرتها إنسانيتهم ولكن عقلهم الباطن فضل تكذيب وتشويه ما حدث عن الإساءة لمن يحبون.. وهو ما لم يتفهمه الطرف الآخر الذي توقع/ طالب بأن يستنكر باقي البحرينيين ما حدث ويرفضوه.
لقد انشق المجتمع.. ولو كان ما حدث وقع في دولة أخرى لا تباين مذهبي فيها بل تكتلات قبلية أو عشائرية أو مناطقية لحدث المثل وأكثر.. فقد أسست السلطة لهذا الشقاق منذ زمن طويل عندما جعلت البعض يظن أن المؤسسات العسكرية مرادف " له" والبعض الآخر يظن أنها " خصمه"..

****
مجتمعنا.. ينشطر ..
منذ ذلك اليوم أعاد المجتمع تكتله على أساس التعاطف. المعارضون رأوا الخميس الدامي امتداداً للظلم التاريخي لهم من قبل مؤسسة الحكم فيما رفض السنة في البحرين الإساءة للعسكريين الذين نشئوا على تبجيلهم.. بالطبع الجيل الأكبر من المكون السني ، والذي عاصر الخمسينات والستينات ورأى هذا مراراً كان الأكثر تعاطفاً مع المحتجين، الطبقة المثقفة الليبرالية كانت إجمالا كذلك " حتى تلك المرحلة على ايه حال"..
كان الحدث مجلجلا.. وسائل الإعلام الغربية نددت ببشاعة الواقعة وعلى مدار أيام كانت حكومة البحرين تحت ضغط انتقادات حادة من الخارج دفعتها - كردة فعل ربما- للإيعاز لأجهزتها الإعلامية بأن " تفّزع" للسلطة وكان تعريفها " للفزعة" أن تهين الناس في محنتهم وتكذبهم.
"كل ما يقال كذب وتلفيق ومبالغات.. رجال الأمن بواسل والمتظاهرون عملاء للخارج"
كانت تلك هي رسالة إعلامنا الوحيدة التي تقدم كل ساعتين بقوالب مختلفة.. هذه الرسالة لم تمّر على المجتمع الدولي الناضج سياسيا ولكن شريحة عريضة في البحرين تشربتها وتبنتها.. كثيرون توقفوا عن تبادل الرسائل والأيميلات والبرودكاست منذ ذلك اليوم.. فأصبحت كل فئة كانت تتداول خطابها فقط.. هؤلاء يعرضون صور أخبار الاعتداءات والضحايا ..والطرف المقابل ينكر ويتندر..
كانت تلك بداية فتنه.. سيشتعل فتيلها تباعا في الأسابيع التالية
****
الواقعة والغدر والقهر رفعوا عزيمة المحتجين وأيقظوا في نفوسهم غريزة البقاء.."سنعود للدوار – كان هذا لسان حالهم – سنعود بأي ثمن"..لا قيمة لأرواحنا تحت سلطة تمتهن كرامتنا وتستبيح أرواحنا - لا حقوقنا فحسب، لم تفلح الدبابات في وقفهم ولم تكن هناك نية لقتل المزيد..
****
عاد الناس بإصرار..وبدأت فترة جديدة سموها دولة الدوار.. اختلفت فيها الموازين وغاب عنها الصوت الرزين سأحكيها لكم وقد لا تعجبكم ولكن ها قد شعشع الصباح وسنسكت مؤقتا عن الكلام غير المباح...

30-يوليو-2010

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من شهرزاد لملك البلاد (5) الخطة الغبية ..
نشر بتاريخ يوليو 21, 2011
 

هل سمعت يا مولاي بحقلٍ بُذر بالكتان فأثمر.. رمان ؟!

أو أرضاً ملئت بالألغام فحصدت غير الآلام !!
ما كان في البلاد وما سيكون.. إن هو إلا قطاف السنون.. وزرع الحرس القديم.. الذي لا تظنن أن الأمور ستستقيم، بوجود فكرهم السقيم.. هؤلاء الذين يدّعون أنهم لكم محبون وللبلاد حافظون، وما ضيع البلاد إلا قصر نظرهم وطيشهم المجنون..
والآن نكمل واعذرني على الاسترسال.. فوقت المجاملات انتهى مع الدم الذي سال..
شهرزاد..
*****
من إقترح استنساخ كربلاء ..؟!
لا نبالغ إن قلنا أن المذهب الشيعي بأكمله يدين بزخمه وديمومته ليومنا هذا لحدث تاريخي واحد، واقعة كربلاء التي وقعت منذ 1400 عاماً ومازالت تلهب مشاعر ملايين الشيعة حول العالم.. تلك الواقعة التي تشّربها كل جعفري وارتبطت في مخيلته الثاوية بالغدر والظلم والجبروت.. وبالتالي فإن ما ارتكبته قوات الأمن البحرينية، من تركها للناس لتعتصم لثلاث أيام - دون مضايقة- حتى رّكن الناس واطمئنوا وجاءوا بعائلاتهم وأطفالهم وباتوا آمنين، ليتسلل لهم العسكر في الثالثة فجراً لمهاجمتهم بالرصاص والقنابل الصوتية المرعبة وضربهم بالهروات والأحذية الغليظة، بل ومطاردة من كانوا يحاولون الفرار لأميال. كان هناك عشرات الخطط "الحكيمة" التي كان يمكن بها فضّ الاعتصام ولكنهم اختاروا الغدر بالناس.. نعم الغدر – ليس للأمر أسم أجمل- كانوا يستطيعون مهاجمتهم صبحاً أو عشية ولكنهم اختاروا طعنهم في الظهر وهو تصرف يليق بالعصابات..ولا يليق بالحكومات ..
كان حدثاً جليلاً، ولا أعتقد أني انتقلت – رسمياً- للمعارضة إلا في ذلك الفجر الكئيب.. فرغم كل شيء؛ لم أتخيل يوماً أن السلطة قادره على أعمال بتلك البشاعة..!

يومها تناثرت العائلات وظلت الناس تبحث عن بعضها لساعات سيما وأن العسكر لم يعطوا لأحد فرصه ليلملم حاجياته أو هواتفه كما وحاصروا سيارات الناس وكسروها بهمجية في مشاهد صادمة. إحداهن من قرية البلاد قالت لي: عصر ذلك اليوم مروا بعمارتي وكنت أشاهدهم من النافذة وهم يكسرون سيارتي وسيارات جيراني، لم أنبس بكلمة ولم أعرف أتصل بمن: هل أبلغ الشرطة وأطلب منهم إنقاذنا..من الشرطة !!

****
أمهات عدة كانوا يُشبّرون المستشفى بحثاً عن أبنائهم.. حملات عدة انطلقت للبحث عن الأطفال الذين هاموا في الطرقات وأفقدهم الرعب القدرة على تذكر أسماء آبائهم.. ولأن هذا المناخ مثالي للأقاويل فقد انتشرت كومة إشاعات حول 104 مفقوداً يومها " انخفض العدد لـ65 في اليوم التالي" تلك الشائعات صدرت من الضحايا المشوشين وأحياناً من الخصوم.. كجزء من الحرب النفسية بالطبع.
" هناك ثلاجات حملت خلسةً جثثاً للسعودية -قيل وقتها- كان هناك أحياء أخذوا في تلك الثلاجات".. ( بعض المفقودين رموا في البحر – قال آخرون- شرطي شريف أسّر لأسرة بذلك) في ذلك الوقت صرح بعض الأطباء والناشطون بأرقام مبالغ فيها لا لأنهم خططوا " لترويج بيانات كاذبة" كما اتهمتهم السلطة بل لأن الوضع كان هستيرياً. آلاف ملؤوا كل شبر بالمشفى منهم من يصرخ وكأنه يحتضر ومنهم من كان يبدو طبيعياً رغم أن حالته كانت الأخطر.. سرعة وتفاني الأطباء يومها أنقذت أرواحاً كثيرة، أرواحا كان يُراد لها أن تُزهق. وبدلا من أن تشكرهم السلطة لأنهم قلصوا ضحاياها حملت لهم ضغينة لأنهم فضحوا ما كان يُراد له.. أن يُستر.
****
هذه الواقعة الدامية دفعت - حتى التكنوقراط والأرستقراطيين واللامبالين من الشارع الشيعي- للالتفاف مع المحتجين في الدوار لأنها جاءت في قالب كربلائي يعكس الظلم والغدر ولا عجب أن اردوغان نفسه -رئيس وزراء تركيا- شبهها بكربلاء جديدة فقد كانت - بمعنى ما- كذلك.. بالمناسبة عدد شهداء كربلاء كان ضئيلا مقارنة بمعارك ذاك الزمان" لم يجاوز الـ28 وفق الروايات" ولكن مرارة تكالب واستئساد آلاف الجنود على مجموعة صغيرة هو ما جعل هذه الواقعة تُخلد كأكثر المعارك تأثيراً عبر تاريخ البشرية..
ما حصل كان غلطة بألف، غلطة تنم عن جهّل مركب بطبيعة المجتمع وسوء قراءة مُهلكة للأحداث، وأشك أن أحدا يُقدّر عُظم تأثير تلك الواقعة، وما زرعته من بذور وألغام، على تاريخ البحرين المعاصر..
***
وغدا يا مولاي نحكي كيف افترق الأصدقاء بعد النسخة البحرينية من كربلاء.. ولكنّا الآن سنصمت لا لانتهاء المساء.. بل لأن عين السياف "جوهر" صارت حمراء !!
21-يوليو- 2011


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من شهرزاد لملك البلاد (4) أحداث ما بعد الثانية عشر..
نشر بتاريخ يوليو 18, 2011
 


نعم يا مولاي الفّطن .. سُفك الدم على قارعة الوطن.. وقبل أن نكمل فلأحذرك وباقي الأنام من رجال تسبلوا بثوب الإيمان وأفعالهم تخجل الشيطان، يمدحون ما ذمّه الله من ظلم، ويذمون ما حسّنهُ الله من صُلح، هؤلاء الذين يحمون مؤسسة الفساد ويتوعدون بالدم من يطال عرابي السرقات.. رجال دين آخر الزمان الذين يسجدون للسلطان ويدمرون بالوغى الأوطان ويخاطبون في الناس نزغ الجاهلية.. ويكرهون العفو والأصوات الأبية..
ذكروا هؤلاء يا سامعين بيوم التلاقّ وقولوا لكبيرهم الذي علمهم اللؤم :
ما يُغطي صلاحُ لفظك فساد معناك، وما بقت أمة بين الأمم إلا احتقرت مسعاك والى الله منتهاك حيث يحاسبكم أجمعين عن كل فعل مهين ويسألكم: كيف اصطففتم مع من سلب خيرات البلاد ودافعتم عن الفساد وحللتم الظلم الذي حرمت وجّملتم العداء والثأر الذي قبحت..؟
والآن نعود لذكرى تلك الليلة التي بدت سرمدية.. فلا الساعات كانت تمشي ولا الدقائق تمر دون أذيه ..
شهرزاد..
******
مشاهد يجب أن تُروى ..
" تحققي من أمر هذه العبوة " قال لي أحدهم وهو يمّد عبوة فارغة " أنه مسيل الدموع منتهي الصلاحية. متأكد أنا.. هذا ما كانوا يفعلونه بنا في التسعينات" قال شاب لم يجاوز العشرين ليهب صديقه له داعماً " يذبح اقولش يذبح؛ بالله عليش مسيل دموع يخلي كل شي فيك يعور..!! أكيد مليوون في المية منتهية صلاحيته " على فكره – قال ثالث جاء من العدم- هذا شي محرم دولياً في القانون الدولي الاتفاقيات تقول يعني...، لحظة اسألي فاضل بقولش أحسن.. وين راح فاضل نادوه؟" لم أعرف من هو فاضل ولكني خمنت أنه "العلامة" بين المجموعة..
***
" لازم تتصرفين وياهم أستاذة" – خاطبني آخر وكأني من طواقم الداخلية- " كنا واقفين نحمل لافتتات ونصلي على النبي ونقول "سليمة سليمة" وهم يتقدمون نحونا " قال الشاب بانفعال " عندما أقبلوا علينا جلسنا على الرصيف، ضربونا ونحن جالسين" قال وهو يشوح بيديه مستنكرا..
- " ولماذا جلستم ولم تفروا " سألته باندهاش
- هذا هو عرف الإعتصامات السلمية، عندما يأتيك الشرطي تجلس لتريه انك لا تريد المواجهة..
تملكني الحرج لحظتها.. محدثي يبدو وكأنه ممن يتخذون غسل السيارات بمحاذاة المجمعات كمهنة.. ومع ذلك فهو يملك ما لا أملكه من معلومات !!
قد تكون تلك جزئيا هي مشكلة البحرين.. في الهوة الشاسعة بين الوعي السياسي لشباب الشيعة قياساً بأقرانهم من السنة.. لا علاقة للأمر بالجينات ولا بالوراثة.. كل ما في الأمر أن الطائفة الجعفرية في البحرين، التي تشعر بالتهميش والإقصاء، قد وفرت تنشئة سياسية لأطفالها " ساعدتهم عليها بالمناسبة محاصرات الليل واعتداءات الشرطة المتكررة على قراهم ومناطقهم ".. في الوقت عينه مُورست عملية إقصاء و"تجهيل" حقوقي لأتباع المذهب الأقرب لمؤسسة الحكم واختطف وعيهم السياسي لصالح السلطة التي علمتهم – فقط- ما تريده هي وما يخدم مصالحها هي !!
فالشقاق في البحرين اليوم ليس مذهبيا كما يبدو ولا علاقة له بالعقيدة بل هو سياسي بين فريقين.. أحدهما مؤهل/ محفز/ مستعد لمرحلة الحكومة المنتخبة التي يراها طوق نجاة.. وفريق آخر ولّج غمار السياسة قبل 3 أشهر، وأعتمد في معلوماته على ما يلقنه إياه إعلام ورجالات السلطة.. وبالتالي فهو يرفض الحكومة المنتخبة لأنها – كما أخبروه- ستكون وبالا عليه.. كما وأقنعوه أن كل دول العالم تكّذب، وكل المنظمات الدولية صفوية مجوسية، وكل اعلاميي ومحللي العالم متآمرون.. ووحدهم "شرفاء البحرين الجدد" هم المصدر المعتمد للمعلومات وبهذا تم استلاب وعي العامة لخدمة كراسي السلطة !!
لقد عُمّد نصف الشعب في ماء السياسية، وعزل النصف الآخر عن حياض كل ما قد يقود للتمرد على السلطة.. فانشقت البلد بين متمردين و "فداوية" فلله درك يا شعب البحرين.. ما أتعسك..!!
***
" بين دفعتي كان لي زميلات أنا من يدرسهن وأنا الأولى بينهن توظفن جميعاً وبقيت أنا لاعتبارات مذهبية – قالت شابة غاضبة- والدي بحّار شاخ على الصيد، وإخواني " هبابهم" على تحمل أعباء أسرهم، وهئنذا أمامك جامعية أخرج بلا دينار.. دينار واحد في جيبي لأشهر " قالت والحزن يتلألأ تحت مسحة من القهر..
" أنا شاب في 34 متزوج ولدي طفل أحمل ماجستيراً وأعمل كساعٍ في شركة، لقد كرهت نفسي وحياتي..هذه الثورة يجب أن تستمر.. إلى متى سنعامل كالأغنام " خاطبني آخر بحزم وأنا أهم بالخروج من المستشفى..
خرجت من المشفى مختنقة بحكايات وآلام الناس، متسائلة كيف يمكن تجاوز هذه التراكمات، وكيف نعيش وسط هؤلاء ولا نرى معاناتهم الشاخصة.. من حقهم أن ينفجروا – هاجست نفسي- لو عاش أي منا ما يعيشون لكان أعنف منهم وأشرس. وهاهم وقد انفجروا الآن فاستقبلت الحكومة انفجارهم بقبضة القمع.. لم يسألوهم لم تثورون.. ومم انتم غاضبون ؟ بل رشوهم بالغازات وحاوروهم بالرصاص وهجموا عليهم كالقطعان !!
****
في اليوم التالي ، ووسط جنازة الفقيد مشيمع سقط شهيد آخر، فاضل المتروك (32 سنة) وألفت الداخلية لتبرير قتله مسرحية لم يصدقها حتى من ألفها.. كان المشهد معقدا ولكنك خرجت يا جلالة الملك معزياً وواعداً بلجنة تحقيق وخرج وزير الداخلية متوعدا بالمتسببين -الذين لازالوا طلقاء بالمناسبة- فبرق لكثير منا الأمل وبدا أن بلسماً ما بُسط على جروحنا " جروح عائلات الشهداء والثكلى بالطبع ما كانت لتطببها كلمات ولكن الباقون شعروا بأن الجريمة التي حصلت ستُعالج فاستكانت نفوسهم لذلك.. إلا قليلا..
بصيص قال أن الغمة لن تطول.. ولكن الغليان ما كان ليهدأ بالسهولة، زحف الناس بعزم للوصول " لدوار اللؤلؤ" الذي بدا أقرب مواقع البحرين شبهاً بميدان التحرير المصري.. كانوا يريدون نقطة للتجمع، فتحدوا الدبابات التي نزلت للشوارع بغطرسة.. إحساس بالراحة سرى بين الناس عندما جلسوا على عشب الدوار الأخضر في ربيع فبراير.. "تحاططوا" ووضعوا همومهم مع بعضهما.. إحساس ما بالتعاضد عم الأجواء.. أنت هنا إذن أنت متعاطف معنا، كثيرٌ ممن ذهبوا يومها كانوا من أبناء المحرق وسند وأم الحصم وباقي المناطق السنية.. حتى تلك اللحظة كانت لا توجد هتافات ولا مسرح ولا مطالب واضحة.. فقط مشاعر شفيفة تعم المكان كأنه دفء التواجد مع بعض في حضرة مصاب جلّل..
عمّ الهدوء ولكنه كان هدوءاً غادراً.. فبعد أقل من 52 ساعة ستشهد البحرين فاجعة حقيقية.. حدثاً سيخلده التاريخ للأبد.. طعنة لا تُنسى ربما لأنها.. جاءت من الظهر..
*****
وبعد أن أرعبنا المساء ..
استفتي قلبك يا سامعاه
من أشعل في البلاد الثورة : تعليمات "الفقيه" أم بطش " الزبانية" !!
17-7-2011

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من شهرزاد لملك البلاد (3) كيف أنقطعت شعره معاوية ؟
نشر بتاريخ يوليو 13, 2011
 

هاهم يتداولون الأخبار،عن الأشرار من أهل الدوار، مجرمون هم وليسوا ثوار..
اشنقوهم احبسوهم رحلوهم أصلبوهم وفي الوحل مرغوهم..
أتراهم يعرفون حقاً حقيقة الساعات التي قلبت الرغبات ؟ أيدركون سرّ تغير الهتاف من إصلاح النظام لإسقاط النظام أم هم يرفضون التحرر من عبودية الأوهام..
لهم ولمليكنا نروي التفاصيل، التي تكشف دور صاحب "الظل الطويل"، في نبش ما دُفن من مواويل..
شهرزاد
****

كانت الساعة قد شارفت على الثامنة في اليوم الموسوم بيوم الغضب والهدوء ما زال سيد الموقف.. ​بدا وكأن الثورة لن ترى الغد وستموت في المهد لولا أن حدث ما غير مسار كل شيء..
خطة الداخلية في التعامل مع التظاهرات كانت – دوماً- واحدة وكأنها مستلهمةٌ من كتالوج أمني : تفريق المتظاهرين دون إصابات، الترويع بالقنابل الصوتية ومسيلات الدموع وربما القبض على 4 أو 5 من الأتباع - لا القيادات- ولكن القوات خرجت ذلك اليوم بنية أخرى وبأوامر جديدة لذا كان عدد الضحايا مفاجأً. ربما دفع جبروت الثورات العربية أحدهم للقول: فلنقطع دابر أي متمرد يظن أنه سيشعل ثورة بالحديد والنار !!
فهموا درس الثورات بالمقلوب كعادة العسكر الذين يفكرون إجمالا.. بأذرعهم..!!
****
هذه المرة ضرب الشرطة في المليان وكشف فريق منظمة العفو الدولية في البحرين وأقتبس ( وجود نمط لإصابات قاتلة وخطيرة خلال أعمال العنف التي وقعت في فبراير/شباط، يُظهر أن قوات الأمن استخدمت الذخيرة الحية من مسافة قريبة وسدَّدت على رؤوس المحتجين وصدورهم وبطونهم)..أنباء الضحايا ملأت الدنيا ضجيجاً بحلول الثامنة مساء، أنباء متضاربة مهوّلة بفعل الفزع تحدثت عن وفاة 4 متظاهرين دفعتني للتوجه فوراً للمشرحة حيث كانت الكراسي مليء وكان النائب مطر مطر - فك الله أسره- موجوداً مع جمعً من الصحفيين الذين نقلوا في اليوم التالي تقارير مغايرة لما رأيناه !!
****
- أنت لميس ضيف صح؟
- نعم هي " قلت رداً على سيدة اقتربت مني بهدوء بعباءة رأسها الوقورة
- أنا عمه علي مشيمع.. اللي قتلوه
- تعازي – أومأت برأسي- فتقلصت عضلات وجهها فجأة وانفجرت بالصياح بصوت متحشرج كطفلة تشكو لمعلمتها " ما سوى شي.. والله العظيم واقف على العتبه مع أخته الصغيرة.. توه كان متعشي مع أمه وأبوه والله واقف ما سوى شي.. مسكين حقويش قتلوه " كررت العبارة الأخيرة مراراً حتى سحبها أحد أقربائها فيما وقفت واجمة ففي حضرة مواقف كهذه لا توجد كلمات.. ترقى لمقام الجرح..
- كيف كانت شخصية الفقيد ؟ سألت مرافقي وأنا أنتقل لبهو المشفى بعد أن استقيت تفاصيل الواقعة من عم الفقيد وأهله " كيف كانت حياته" سألت صهره الذي بدا وكأنه السؤال فاجئه "خوش صبي – قال بعد صمت- لم يرى في الدنيا شيئا ولم ينعم بالحياة بعد" ثم تصّلب وكأنه رأى جنيا وأردف"أتصدقين أنه قال - قبل ٣ أسابيع فقط- أنه يشعرً وان حياته بدأت أخيرا" !
أتراه كان يشعر؟ هل فُتحت له مغالق الحُجب ياترى ؟ طردت الفكرة واستجمعت نفسي لأصمد في هذه الليلة العصيبة.
***
مئات العائلات والأشخاص كانوا قد تجمهروا في ساحة المستشفى حتى بات الحراك صعبا.. كان المكان لازل يعبق بغضب أم الشهيد التي كانت قد وقفت بين الأشهاد، تبكي بلا دموع كاللبوة الجريحة تطلب الثأر من الله..
كلماتها، دعائها الجارح أغاض الكثيرين ولكن جلالتك تتفهم أليس كذلك ؟
أتذكر – جلالتك- عشيه تلقيك لنبأ وفاة أبنك ملائكي الوجه فيصل؟ ذاك الذي نعتهُ كل البحرين وأسفت على شبابه.. أتذكر إحساس فقد " الضنه" ؟ فلنضف على هذا الإحساس إحساس أن أبن هؤلاء مات قتيلاً، وشمت في موته الآلاف واستحلوا دمه ورددوا "يستاهل"..
نعم هم عوام ومعدمون ودراويش ولكنهم يتقاسمون ذات المشاعر البشرية مع أثرى وجهاء العالم..
لماذا صرخ الناس " يسقط حمد" يسقط النظام" "يسقط آل خليفة" تتساءلون ؟
لأنهم كانوا مجروحين .. كانوا يتألمون.. كان تسقيط النظام وسيلتهم لمواساة الأم الملكومة وفي ساعات كهذه قد يكفر المرء بخالقه لا بحاكمه فقط.. لقد شعر الحضور يومها أن أبنهم هو الذي قُتل.. وأن أخ أو أبن أو شقيق أحدهم سيكون التالي ولكن هذا لم يكن أسوء ما حصل تلك الليلة..
لقد نكأ الدم الذي سال جروحاً قديمة.. مليء ببطش العسكر ومشاهد عذابات التسعينات.. لقد شعر هؤلاء بالأمان في عهدك ثم اكتشفوا فجأة أن سدّ الأمان قابل للانهيار دون مقدمات.. كثير ممن التقيتهم يومها كانوا معتقلي التسعينات وذويهم.. أولئك الذين كُسرت آدميتهم بعد أن علقوا لإيام وتبول عليهم السجانون وذلوهم لأشهر وسنوات.. في بعضهم لمحه من الجنون والإرتياب وعدم الاتزان، هم قنابل بشرية موقوتة.. تعرضت للهجوم ليلتها من أحدهم، هكذا وبلا سابق إنذار أقترب مني ووضع أصبعه في وجهي ولوح قائلاً: لو لم تنقلي ما أقوله حرفياً فسأطاردك و"سأرويك" هب من حوله عليه مؤنبين رادعين " أعذريه أختي – أقترب أحدهم لي هامساً- فقد أخوه في التسعينات وتعذب على يد الجلاد "الفار" حتى جنّ وكل مشاهد اليوم تعيد في نفسه صور ذلك الماضي القريب، أشرت له بأني أتفهم..
****
هؤلاء هم زرع التسعينات.. كثير منهم أصابتهم درجة ما من العقم النفسي جراء ما مروا به.. لقد طوي ملف التسعينات دون مصالحة ودون محاكمة للجلادين الذين يعيشون برفاه ودعّة بيننا فيما يتجرع هؤلاء قيح تلك المرحلة التي ترسبت في نفوسهم الفتيه وقتها.. يتجاهل الكثيرون الرابط بين حركة فبراير ورواسب التسعينات ولكني رأيته – الرابط- شاخصا يومها.. وبدا وكأن عقارب الساعة عادت بالجميع للتسعينات وجروحها. في غمرة هذا الكشف الشخصي لمحته بين الجموع؛ كأنه هو.. نعم أنه هو؛ وليتني ما تذكرته..
قبل سنوات كنت في لجنهً لضحايا التعذيب ودخل شاب طويل حسن الهيئة وطلب من اللجنة إخراجي فيما اعتبرته – وقتها- أمراً مهيناً.. لاحقاً علمت أن هذا الشاب، الذي يقارب عمره عمرى- قد هتك عرضه عدة مرات في المعتقل وهو يعاني من اضطرابات عدة أسوئها عجزه عن النوم أحياناً لأيام متواصلة.. انكسرت عيناه لما لمحني في المستشفى، كان يعلم في قراره نفسه إنني أعلم عن ما يعتبره عاره الشخصي بينما هو عار الجلاوزه والجلادين..

في تلك الليلة – أقول- كانت كل الجروح "مفتوحة" وكانت السماء تقطر ملحاً.. نساء بمد النظر، شبابٌ يائسون هتفوا بحرارة " يسقط النظام" لا لأنهم يعرفون المملكة الدستورية التي سُتطالب بها المعارضة لاحقا بل ا لأنهم مغتاظون..
هؤلاء هو قطاف التسعينات.. ووحده تعالى من يعلم كيف سيكون قطاف هذه المرحلة التي كانت اشد بطشاً وضراوة من سابقتها !!
****
لم أنتهي – بعد- من رواية التفاصيل وأعذرني على التطويل..
فشهرزاد الجديدة لا تروي روايتها؛ لتنجو برأسها – كسالفتها- بل تريد للناس أن تفهم لتحنو، وعلى هذه الأزمة تخطوا، ومن الفرقة والعداوة تنجو.. ولكن هاقد شعشع الصباح ولنسكت مؤقتاً عن الكلام غير المباح..
13- يوليو-2011

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حكايا شهرزاد (٢): مؤامرة عمرها ٣٠ سنة..

نشر بتاريخ يوليو 6, 2011
 

حدثناك يا ملكنا السعيد عن أمر هذه الجزيرة التي طال أهلها الحزن والحيرة.. وجئنا اليوم لنكشف اللثام عن مغالطات الإعلام ونعلن للراعي والرعية حقيقة الحدث الذي قلب حياة البرية.. فأسمعوا يا عالمين واستعيذوا من شيطان الطائفية الرجيم ؛ لتعرفوا الحقيقة ممن عاشت القصة، غصةً بغصة، وهي كاتبة ثائرة.. جريئة مغامرة.. باعتْ حياتها الرغيدة لعيون صراعات مدمرة ورغم هذا.. هي سعيدة معتدةٌ عنيدة؛ لأنها لا تصفق للطغيان ولا تنعق مع الغربان ولا تعبد الأصنام ولا تمشي مع القطعان.. بلسانها سأنقل فصول الحكاية.. للنهاية.
شهرزاد عصر الآي باد
***
تقول صاحبتنا عن " المؤامرة":
تنادى بعض الشباب البحريني بيوم غضب عبر صفحة " فيسبوك"، لم ينضم لها وقتها إلا زهاء الـ7 آلاف مشترك فيما بدا وكأنه استلهام من ثورات الشعوب العربية.. أنباء "الثورة" القادمة كانت تتداول بين العامة بشيء من التندر وكثير من اللامبالاة والتشكيك، لم يبد شيئ ما جدياً أو باعثاً على القلق وقتها. فرغم تاريخ الصراع السياسي الممتد منذ 1953 بين السلطة الخليفية والشعب إلا أن السنوات الأخيرة ، والمساحة والمشاركة النسبية التي وفرتها، احتوت المعارضين ونقلت العمل السياسي من هجير الشارع لقاعات البرلمان المكيفة. وعدا بعض المناوشات البسيطة - التي قادتها جماعات محدودة- كان الوضع الأمني والسياسي مستقراً والسخط الشعبي "تحت السيطرة" ما جعل فكرة نشوب ثورة بزخم تلك المصرية والتونسية مستبعدا - مؤقتا على الأقل- بالنسبة للمراقبين..
***
مساء 13 فبراير اتصلت بالنائب جواد فيروز وبرئيس جميعه وعد إبراهيم شريف - فك الله أسرهما- لاستيضاح مواقف الجمعيتين من الحدث.. "ما مدى جدية تحركات الغد ؟" سألت فيروز مباشرة فأجاب من غير حماسة " لا نعرف تحديداً من هي الجهة التي نادت بالتحركات وبالتالي قررنا إننا لا نتبنى الدعوة ولا ندعو جماهيرنا لها ولكننا.. لا نقف بالطبع ضد حق أي شخص في التعبير عن رأيه.."
- هكذا إذن..
- هو كذلك
موقف إبراهيم شريف - فك الله أسره- لم يكن عن ذلك ببعيد.. لم يعط ثقلاً للأمر بيد أنه قال إنهم سيقفون دقائق تضامنا مع المعتصمين في فعاليتهم المقررة بمناسبة الميثاق في الغد..

كل ما رُوج من أن حركة 14 فبراير " مؤامرة وفاقية" محض كذب وافتراء.. تزييف لما حصل.. لم يكن لأقطاب المعارضة وللناشطين دور حقيقي في إشعال الفتيل. هاتفتُ عدداً إضافياً منهم عشية ما حدث لاستيضاح المعلومات.. فطلبوا المعلومات مني !
لم تكن تلك مؤامرة عمرها 30 سنة ولا حتى 3 أشهر كما أثبتت التحريات التي " فصلها" هولمز البحرين.. مسئولة أنا أمام الله والتاريخ والسياف "جوهر" عما أقول.. !

*****
مطلع فبراير.. كانت لي ندوة جماهيرية وقف فيها شاب ثلاثيني ليسأل:
هل تعتقدين بإمكانية نجاح ثورة في البحرين ؟ فأجبت بالنفي " في علم السياسة توجه الشعوب سخطها للملفات المعيشية أولاً – قلتُ- وبعد فترة من تجاهل رغبات الشعب وأوجاعه يتحول هذا السخط من الملفات للأشخاص.. فيرى الشعب أن هذا " المسئول" هو مشكلته لا الملف نفسه، وأن حلّ كل معضلاته هو في إزاحته.. قلت وأردفت - اذكرُ ولا أُنكر- " أن البحرين لم تصل لهذا الحد بعد، تسويف رغبات المواطنين وتجاهل شكواهم سيصل بنا لهناك يوماً ولكن هذا اليوم.. ليس بقريب..

كنا يا ملكنا – والحق أقول – جاهلون بحجم الغضب الذي يغلي في نفوس المغبونين.. لذا فأقصى ما توقعناه هو تحركات عابرة، و6 إطارات محترقة وعشرات اليافعين الذي سينتهي اليوم بتفريقهم بمسيلات الدموع..
وكم كنا واهمين..!!

ولو قيل لي يومها أن البحرين على أعتاب أكبر أزمة ستعصف بتاريخها المعاصر وأن البلد ستُشطر وسيحكمها العسكر.. لسلمت على كل الجدران وطفت بكل مكان وودعت البحرين التي أعرفها وأحبها لعلمي بأني.. سأفتقدها..
***
أول مؤشرات القلق بدأت عندما رأيت وجه جلالتك في احتفالية عيد الميثاق بقصر الصخير . كنت بين المدعوين جالسة هناك على اليسار عندما دخلت الحفل في أبهى حلة ولكن ابتسامتك المعروفة غابت عن الحفل ومعها تركيز كثيراً ممن كانوا حولك ممن حظرت أجسادهم ولكن فكرهم.. كان شارداً في مكان آخر..

ألتفت يومها لأسأل د.منصور الجمري – الذي كان جالساً خلفي- ما أخبار التحركات اليوم ؟ " قليلة ومتفرقة - قال مؤشرا بيديه. حسناً؛ لقد صدق الظن ولم يخرج للشارع يومها إلا جماعات محدودة حتى أن بعض "المستظرفين" أطلقوا موجه نكات ساخرة على " الثورة المنتظرة" !
بدا أن كل شي وكأنه ولد في 14 فبراير وسينتهي في 14 فبراير..لم يخرج الناس بالآلاف ولم تهتز الأرض ولم تنّشل الحياة.. حدث واحد فقط غيّر وجه كل شيء ومسار كل شيء وأيقظ جبروت الغضب ما كان نائما..
****
كيف تحول اليوم الرتيب لأزمة تُشيب الطفل الوليد.. وما سر هذا التحول العجيب ؟
في الغد نكمل فها قد شعشع الصباح وعلى شهرزاد أن تسكت – مؤقتاً- عن الكلام غير المباح..

6 يوليو 2011
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رسالة لملك البلاد من شهرزاد(1)
نشر بتاريخ يوليو 3, 2011

بلغني أيها الملك الرشيد أمركم بلجنة تحقيق في ما جرى من غرائب في بلد العجائب.. ولأني شهرزاد عصر "الآي باد" سأقص عليك القصة التي تعتريني كلما ذكرتها غصة.. قصه ألف دمعة ودمعة بحرينية وهي ليست بقصه أسطورية..سأصب لجلالتك الحقيقة وسأكون صريحة ودقيقة.. ولأني أعذر الملوك والسلاطين لأنهم يعيشون في صوامع من بلور فأسمح لي بقول المحظور واكفني شر سيف جلادك "جوهر" الذي لا يستكين ولا يرحم - لا لأني أهاب الموت- ولكني أخشي أن أغيب قبل أن..أتم القصة
والآن يا ساده يا كرام صلوا على خير الأنام..وأسمعوا قصه شعب أرهقته اللصوصية والمسرحيات الأمنية، همه الأول المسكن ورواتب الوظائف التي لا تسمن. قصه "هنود الخليج" الذين لا يعرفون علام هم هنود الخليج ! يعيشون في جزيرة المحار التي تطوقها البحار التي ما عادت تجود بالخيرات من فرط الدفان والسرقات.. ثلث مساحة بلادنا أكلها حوت الفساد.. ومواطنيها حيارى للبنوك والديون أساري.. والخدمات الصحية ضعيفة ومترهلة وسخيفة..سير العدالة في محاكمنا قاتل والكل عن حقوق المظلومين غافل.. الوظائف توزع للمعارف، ومعايير تولى المناصب المهمة.. مبهمةٌ ومخزيه !
لدينا برلمان لا يستر من هجير ولا يحاسب وزير؛ نصفه دراويش والنصف الثاني عمله "على ما فيش".. لدينا مجلس شورى كل من فيه له كروش ولا يحس بمن لا يملك القروش.. لدينا دستور مطاط و"منحوس".. لدينا صحافة ولكنها مطية رداحه. مبادئها العجين " تُشكلها" أصابع من يملك الدينار والصولجان ..
لدينا ديمقراطية بيوتها "عنكبوتيه" وحكومة " ديكارتية " قناعها كمول ولا تفعل نصف ما تقول..
لم يكن الشعب – باختصار- مرتاح وكان بقهره صداح ولكن الأذان كانت مصمومه فشكونا أمرنا لله والشكوى لغير الله مذمومة.. بالمفاد يا سامعين وجدنا أننا لا نعيش مع العائشين.. وهكذا يا ملكنا الحنون أكتشف شعبنا المغبون أنه كثور الطاحون، الذي عصبت عيناه فصار يدور ويدور.. ويعتقد انه يقطع الأرض ويصل بخط مستقيم لحيث لا يصل إلا الثور المكين..والحقيقة أنه قابع مكانه يدور في ساقيه..لا يشرب من سلسبيلها إلا النذر اليسير !!
تلك هي الحقيقة؛ مشكلة شعبنا لا سياسية ولا طائفية بل في عدالة مغيبه مخفيه.. أما نشيد "السنة والشيعة" فتأليف من فكر ودبر، وقُتل كيف دبر..فأستّل لما رأى الناس تغلي المصباح وحرر مارد الطائفية وأعطاه البندقية ، بل وولاه على الرعية، وأستأجر من يعينه على " حبك" المسرحية ليعيد الثور المغبون للطاحون بأي ثمن.. كان ما يكون.
وسأقص عليك يا مليكنا قصه دوار اللؤلؤ وكيف سحقت أحلام اللؤلؤ ليسمعها معك الأنام ولكن.. ها قد شعع الصباح وعلينا أن نسكت– مؤقتا- عن الكلام المباح..
حرر في 3 يوليو

ليست هناك تعليقات: