الأربعاء، مارس 21

أقسى تجارب حياتي (2-4) : أمومتى القسرية.. وأسئلة البنتين الطاحنة


نشر بتاريخ مارس 21, 2012


(1)

عندما تكون فرداً في أسرة سجين سياسي في المعتقلات الخليفية.. فإنك لا تعيش الأيام بعد اعتقال من تحب؛ بل تعبر فوقها عبوراً.
لن يفهم ما سأقول هنا – تماماً - إلا من عاش التجربة بنفسه،،
فأنت تستيقظ ظهر الجمعة لتنام عشية السبت وتأكل وجبه لائقة عصر الاثنين وتمشط شعرك الأربعاء وتشرب قدح شاي مساء الثلاثاء !!
لا لأن الأيام تمر سريعا - أبداً- فالساعات تمر ثقيلة كحوافر الفيل ولكن شعورك يصبح رخواً بالأحداث والأشياء ومتفجراً عندما يأتي الأمر للعواطف..
مرورك بصورة المعتقل.. سماع كلمة يرددها دوماً.. تذكر تعليق له بل وحتى ذكر اسمه.. يُعذبك..
فكل شيء متعلق به حاد جداً كنصل الخنجر فما بالك لو كان هذا الشيء.. أبناؤه

(2)

بعد اعتقال شقيقتي د.ندى ضيف اعتقلت نفسي – حرفياً- في منزلها ولم أخرج منه ولا حتى لآتي بحاجياتي، كنت أريد ان أعاقب نفسي بحرمانها من كل شيء ثم وجدت نفسي – فجأة- أم لطفلتين .. كان علي أن أرعاهما وأحرص على أن لا يشعرا بلحظة حزن أو فراق.. مهمةٌ ولا أصعب سيما بأن كل لحظاتي كانت حزن وقلق..
ندى ، وخلافاً لما قد تبدوا، أم صارمة.. لا تسمح لبناتها بالسكاكر ولا بالحلوى وتقنن التلفاز وزيارات الاصدقاء لقدر معلوم.. ولكني لم أستطع إلا أن أكون لهم جارية مطيعة ! فطنة الأطفال جعلتهم يدركون سريعاً أنهم في عهدة من يعجز عن نطق كلمة " لا" لهم.. رغباتهم كانت أوامر وبما أني كنت أمنع نفسي من وطئ الشارع كنت أطلب من صديقاتي يومياً أن يأتوهم بما يريدون.. كان يكفى ندى أن تقول لهما "it's bed time " ليهرعوا لغرفهم ولو كانوا بقمة النشاط أما أنا.. فكان علي أن أترجاهم وأمطرهم بالمغريات ليوافقوا على الخلود للنوم..!!
ورغم نفوري من الحيوانات إلا اننا أجمعنا الرأي – أنا ووالدهما- أن نأتي كل منهما بقطة لنشغلهم.. ولم تثمر كل تلك المحاولات فذكر أمهما كان يبلل لسانهما وفي كل مرة كانتا تسألان عنها.. كنت أشعر بحرارة سياط يجلد ظهري.. يكسر ظهري.. يملؤني بالحسرة والألم
******

(3)

لسبب ما، كان مركز التحقيقات الجنائية ، ومعارف زوج أختي المتنفذين، يكذبون علينا كل يوم !
منذ اليوم الأول قالوا لنا " غداً ستكون بينكم"..
لقد وقعت أوراقها وستكون عندكم بعد يومين..
المدير خرج وها قد حانت نهاية الأسبوع ولكن تعالوا لاستلامها الأحد !!
لا أذكر كم مرة اتصلوا فيها لمحمد زوجها وطلبوا منه استلامها فطار – ولا أستخدم هذا التعبير بخفة - لمبنى التحقيقات وعاد بخفي حنين..!! ووصل بهم الأمر في مرحلة ما أن قالوا سنوصلها للبيت فجراً كما آخذنها لذا كنت ألازم الغرفة المطلة على الشارع حتى الفجر.. أحملق في النافذة وبيدي القرآن ، يرتجف قلبي مع كل سيارة تأتي.. ينكسر قلبي مع كل سيارة تمر..
هي درجة ما من السادية دفعتهم للتلاعب بنا بهذا الشكل .. يمنحونا أمل ووعوداً غليظة لترتفع معنوياتنا وترتطم بالقاع مجدداً..
وإن كان هذا ما فعلوا بآل ضيف والطواش فعليكم أن تسمعوا بما فعلوه بسوانا.. يخطفون أبنائهم تحت جنح الليل بوحشيتهم المعتادة ثم ينكرون معرفتهم بمكانهم !! أهالي شباب المنامة الذين اعتقلوا بالعشرات في 27 مارس المنامة ، على سبيل المثال ، ظلوا يهيمون على وجوههم من مركز شرطة لآخر، من مبنى عسكري لآخر حيث يُنكر الكل معرفة بهم وبمكانهم – ولمدة شهرين كاملين- حتى تلقوا في 23 مايو اتصالا من شرطي يطلب منهم تعيين محام لهم !
حتى العصابات تتحلى ببعض الأخلاق وتضع لنفسها بعض القوانين في تعاملها مع العوام.. أما هؤلاء فكل حركاتهم وهمزاتهم مصممة لتعذيب وإذلال أقصى كم من البشر ،،

(4)

ذات صباح جاءتني لولوة ، أبنة اختى ذات الـ8 سنوات ، وجلست قربي بهدوء وهمست " هل ماتت أمي ؟" سألتني وهي تنظر لي بعينيها البريئتين " لقد فكرت.. لا يمكن أن تكون أمي سافرت كما تزعمون دون أن تودعنا.. ثم أنها تتصل بنا أكثر من مرة يومياً عندما تسافر، هل ماتت وتريدون إخفاء الخبر عنا "
قفزت من كرسيي وطلبت لحظة ودخلت حمام غرفتها وأوصدت الباب لكي لا ترصد ردة فعلي.. لم أشعر يوماً بألم صرف كهذا.. وجع صافً لا يتخلله أي أحساس آخر، فتحت المياه على أشدها لتغطي أصواتها ما يهرب من أنين صرختي المكبوتة.. شعرت بانتفاض جسدي من الألم – لم أختبر شعوراً كهذا قبل ذاك اليوم- لأول مرة أعجز عن السيطرة على عضلات وجهي.. كانت دموعي كثيفة وحارقة وكأن عيني قد تكحلت بالملح..
كاد قلبي أن يتوقف..
كان الألم أكبر من أن يُحتمل ..
****

كمخرج.. أقنعتهم في الأيام اللاحقة أن الاتصالات في فنلندا - حيث سافرت أمهم - رديئة . وأن عليهم أن يكلموها عبر الماسنجر ، كنت أزوي نفسي في غرفة لأكتب وأرد عليهم ولكن الشك سرعان ما راودهم " لماذا لا تجلسين معنا ونحن نكلم أمنا – قالت عالية بريبه - فقررت أن أوكل مهمة محاورتهم لصديقة ، ولأنها لا تعرف الكثير عنهم وعن صديقاتهم كان علي أن أرسل لها مسجات نصية كل ثانية " لأغششها". لاحقاً ، عندما أطمئن فؤاد لولوه أنها أمها حية وتحاورها، أكتفت بكتابة كلمة " أحبك " بشكل متكرر..
افتقدك جداااااا .. بمّد الحروف لأقصاهما
متى تعودين ماما..؟ أحبك ماما.. هل نستطيع السفر لك إن لم تتمكني من المجيء؟
وفي كل ليلة قبل النوم ، بعد صراع اليومي لإقناعهما بالنوم، أطلب منهما الدعاء لوالدتهما بأن يحفظها الله ويعديها لنا سالمة
إيماناً – أو وهماً- بأن دعاء الأطفال له حضيه خاصة.

(5)

كل يوم.. كانت تصلني مباشرة أو عبر وسطاء أو من خلال من يتابعون قضيته شقيقتي رسالة واحدة واضحة وصارمة..
" توقفي عن الكتابه "، " كل ما تكتبينه سيزيد من معاناة شقيقتك وأمد واعتقالها"، " ستعرضينها للتعذيب لو كتبتي"
وكم كانت صدمتني كبيرة عندما اكتشفت أنهم خانوا الاتفاق كعادتهم ، فرغم إذعاني لابتزازهم وتوقفي عن الكتابة ، إلا أنهم عذبوا ندى رغم ذلك ،،

يتبع

ليست هناك تعليقات: